قوله تعالى : { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } ، أراد بالرسل الملائكة : واختلفوا في عددهم ، فقال ابن عباس وعطاء : كانوا ثلاثة : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل . وقال الضحاك : كانوا تسعة . وقال مقاتل : كانوا اثنى عشر ملكا . وقال محمد بن كعب : كان جبريل ومعه سبعة . وقال السدي : كانوا عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء وجاؤوههم { بالبشرى } بالبشارة بإسحاق ويعقوب . وقيل : بإهلاك قوم لوط . { قالوا سلاماً } ، أي : سلموا سلاما ، { قال } إبراهيم { سلام } ، أي : عليكم سلام : وقيل : هو رفع على الحكاية ، كقوله تعالى : { وقولوا حطة } [ البقرة-85 والأعراف 161 ] ، وقرأ حمزة والكسائي سلم هاهنا وفى سورة الذاريات بكسر السين بلا ألف . قيل : هو بمعنى السلام . كما يقال : حل وحلال ، وحرم وحرام . قيل : هو بمعنى الصلح ، أي : نحن سلم أي صلح لكم غير حرب .
{ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } ، والحنيذ والمحنوذ : هو المشوي على الحجارة في خد من الأرض وكان سمينا يسيل دسما ، كما قال في موضع آخر : { فجاء بعجل سمين } [ الذاريات-26 ] : قال قتادة : كان عامة مال إبراهيم البقر .
{ 69 - 83 } { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى }
إلى آخر القصة{[433]} أي : { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا } من الملائكة الكرام ، رسولنا { إِبْرَاهِيمَ } الخليل { بِالْبُشْرَى } أي : بالبشارة بالولد ، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط ، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم ، فيبشروه بإسحاق ، فلما دخلوا عليه { قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ } أي : سلموا عليه ، ورد عليهم السلام .
ففي هذا مشروعية السلام ، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام ، وأن السلام قبل الكلام ، وأنه ينبغي أن يكون الرد ، أبلغ من الابتداء ، لأن سلامهم بالجملة الفعلية ، الدالة على التجدد ، ورده بالجملة الاسمية ، الدالة على الثبوت والاستمرار ، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية .
{ فَمَا لَبِثَ } إبراهيم لما دخلوا عليه { أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } أي : بادر لبيته ، فاستحضر لأضيافه عجلا مشويا على الرضف سمينا ، فقربه إليهم فقال : ألا تأكلون ؟ .
ثم ساقت السورة الكريمة جانباً من قصة إبراهيم - عليه السلام - مع الملائكة ، الذين جاءوه بالبشارة ، فقال - تعالى - :
{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ . . . } .
هذه قصة إبراهيم - عليه السلام - مع الملائكة الذين جاءوا لبشارته بابنه إسحاق ، وبإخباره بإهلاك قوم لوط - عليه السلام - .
وقد ودرت هذه القصة فى سور أخرى منها سورة الحجر فى قوله - تعالى - : { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ . . . } ومنها سورة الذاريات فى قوله - تعالى - { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ . . . } والمراد بالرسل فى قوله - تعالى - { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بالبشرى } جماعة من الملائكة الذين أرسلهم الله - تعالى - لتبشير إبراهيم بابنه إسحاق .
وقد اختلفت الروايات فى عددهم فعن ابن عباس أنهم ثلاثة وهم : جبريل وميكائيل وإسرافيل ، وعن الضحاك أنهم كانوا تسعة ، وعن السدى أنهم كانوا أحد عشر ملكاً . .
والحق أنه لم يرد فى عددهم نقل صحيح يعتمد عليه ، فلنفوض معرفة عددهم إلى الله - تعالى - .
والبشرى : اسم للتبشير والبشارة وهى الخبر السار ، فهى أخص من الخبر ، وسميت بذلك لأن آثارها تظهر على بشرة الوجه أى : جلده .
وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التأكيد للاهتمام بمضمونها ، وللرد على مشركى قريش وغيرهم ممن كان ينكر هذه القصة وأمثالها .
والباء فى قوله - سبحانه - { بالبشرى } للمصاحبة والملابسة ، أى : جاءوا مصاحبين وملتبسين بالبشرى .
وقوله : { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } حكاية لتحيتهم له ولرده عليهم .
{ وسلاما } منصوب بفعل محذوف . أى قالوا نسلم عليك سلاما .
{ وسلام } مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف . أى قال أمرى سلام .
وقرأ حمزة والكسائى : قال سلم وهو اسم للمسألمة .
ثم بين - سبحانه - ما فعل إبراهيم مع هؤلاء الرسل من مظاهر الحفاوة والتكريم فقال : { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } .
و " ما " فى قوله { فَمَا لَبِثَ } نافية ، والفاء للتعقيب ، واللبث فى المكان معناه : عدم الانتقال عنه . والعجل : الصغير من البقر .
أى : فما أبطأ وما تأخر إبراهيم - عليه السلام - عن إكرامهم ، بل بمجرد أن انتهى من رد التحية عليهم ، أسرع إلى أهله فجاءهم بعجل حنيذ . . .
وهذا الفعل منه - عليه السلام - يدل على سعة جوده ، وعظيم سخائه ، فإن من آداب الضيافة ، تعجيل القرى للضيف .
قال أبو حيان : والأقرب فى إعراب { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ . . . } أن تكون { ما } نافية ، ولبث معناه تأخر وأبطأ و { أَن جَآءَ } فاعل لبث والتقدير ؛ فما تأخر مجيئه . .
ويجوز أن يكون فاعل لبث ضمير إبراهيم ، وأن جاء على إسقاط حرف الجر ، أى فما تأخر فى أن جاء بعجل حينذ . .
( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) . .
ولا يفصح السياق عن هذه البشرى إلا في موعدها المناسب بحضور امرأة إبراهيم ! والرسل : الملائكة . وهم هنا مجهولون ، فلا ندخل - مع المفسرين - في تعريفهم وتحديد من هم بلا دليل .
( قالوا : سلاما . قال : سلام ) . .
وكان إبراهيم قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق ، وعبر الأردن ، وسكن في أرض كنعان في البادية - وعلى عادة البدو في إكرام الأضياف راح إبراهيم يحضر لهم الطعام وقد ظنهم ضيوفا - :
{ ولقد جاءت رُسلنا إبراهيمَ } يعني الملائكة ، قيل : كانوا تسعة ، وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل . { بالبشرى } ببشارة الولد . وقيل بهلاك قوم لوط . { قالوا سلاما } سلمنا عليك سلاما ويجوز نصبه ب { قالوا } على معنى ذكروا سلاما . { قال سلام } أي أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام ، رفعه إجابة بأحسن من تحيتهم . وقرأ حمزة والكسائي " سلم " وكذلك في " الذاريات " وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح . { فلما لبث أن جاء بعجل حنيذ } فما أبطأ مجيئه به ، أو فما أبطأ في المجيء به ، أو فما تأخر عنه والجار في { أن } مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف . وقيل الذي يقطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرقته بالجلال لقوله : { بعجل سمين } .