المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

224- لا تجعلوا اسم الله معرَّضاً لكثرة الحلف به ، لأن ذلك ينافى تعظيم اسم الله ، وأن الامتناع عن كثرة الحلف باسم الله يؤدي إلى البر والتقوى والقدرة على الإصلاح بين الناس ، إذ يكون الممتنع جليل القدر في أعين الناس موثوقاً به بينهم فيقبل قوله ، والله سميع لأقوالكم وأيمانكم ، عليم بنياتكم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

قوله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } . نزلت في عبد الله بن رواحة ، كان بينه وبين ختنه على أخته ، بشير بن النعمان الأنصاري ، شيء فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ، ولا يكلمه ، ولا يصلح بينه وبين خصمه ، وإذا قيل له فيه قال : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، فلا يحل لي إلا أن تبر يميني ، فأنزل الله هذه الآية . وقال ابن جريج : نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك .

والعرضة : أصلها الشدة والقوة ومنه قيل للدابة التي تتخذ للسفر عرضة ، لقوتها عليه ، ثم قيل لكل ما يصلح لشيء هو ، عرضة له حتى قالوا للمرأة هي عرضة النكاح ، إذا صلحت له والعرضة كل ما يعترض فيمنع عن الشيء ومعنى الآية لا تجعلوا الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر والتقوى ، يدعى أحدكم إلى صلة رحم أو بر فيقول : حلفت بالله أن لا أفعله ، فيعتل بيمينه في ترك البر .

قوله تعالى : { أن تبروا } . معناه أن لا تبروا كقوله تعالى ( يبين الله لكم أن تضلوا ) أي لئلا تضلوا .

قوله تعالى : { وتتقوا وتصلحوا بين الناس و الله سميع عليم } . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بيمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

المقصود من اليمين ، والقسم تعظيم المقسم به ، وتأكيد المقسم عليه ، وكان الله تعالى قد أمر بحفظ الأيمان ، وكان مقتضى ذلك حفظها في كل شيء ، ولكن الله تعالى استثنى من ذلك إذا كان البر باليمين ، يتضمن ترك ما هو أحب إليه ، فنهى عباده أن يجعلوا أيمانهم عرضة ، أي : مانعة وحائلة عن أن يبروا : أن{[140]}  يفعلوا خيرا ، أو يتقوا شرا ، أو يصلحوا بين الناس ، فمن حلف على ترك واجب وجب حنثه ، وحرم إقامته على يمينه ، ومن حلف على ترك مستحب ، استحب له الحنث ، ومن حلف على فعل محرم ، وجب الحنث ، أو على فعل مكروه استحب الحنث ، وأما المباح فينبغي فيه حفظ اليمين عن الحنث .

ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة ، أنه " إذا تزاحمت المصالح ، قدم أهمها " فهنا تتميم اليمين مصلحة ، وامتثال أوامر الله في هذه الأشياء ، مصلحة أكبر من ذلك ، فقدمت لذلك .

ثم ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي : لجميع الأصوات { عَلِيمٌ } بالمقاصد والنيات ، ومنه سماعه لأقوال الحالفين ، وعلمه بمقاصدهم هل هي خير أم شر ، وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته ، وأن أعمالكم ونياتكم ، قد استقر علمها عنده .


[140]:- في ب: أي.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

وبعد أن بينت لنا السورة الكريمة حكم المباشرة في فترة الحيض تابعت حديثها عن شئون الأسرة فذكرت حكم الإِيلاء أي الحلف بالامتناع عن المباشرة بعد أن قدمت له بالحديث عن الحلف في ذاته . استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكي ذلك فتقول :

{ وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ . . . }

العرضة : فعله - بضم الفاء - بمعنى مفعول كالقبضة والغرقة ، وهي اسم لكل ما يعترض الشيء فيمنع من الوصول إليه ، واشتقاقها من الشيء الذي يوضع في عرض الطريق فيصير مانعاً للناس من السلوك والمرور يقال فلان عرضة دون الخير أي حاجز عنه .

وتطلق كذلك على النصبة التي تتعرض للسهام وتكون هدفاً لها ، ومنه قولهم : فلان عرضة للناس إذا كانوا يقعون فيه ويعرضون له بالمكروه . قال الشاعر :

دعوني أنح وجداً كنوح الحمائم . . . ولا تجعلوني عرضة للوائم

يريد اتركوني أنح من الشوق ولا تجعلوني معرضاً للوم الوائم .

والأيمان : جمع يمين وتطلق بمعنى الحلف والقسم ، واصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه وضع كل واحد من المتعاهدين يمينه في يمين صاحبه ، و " تبروا " من البر وهو الأمر المستحسن شرعا .

والمعنى على الوجه الأول : لا تجعلوا الحلف بالله - أيها المؤمنون - حاجزاً ومانعاً عن البر والتقوى والإِصلاح بين الناس ، وذلك أن بعض الناس كان إذا دعى إلى فعل الخير وهو لا يريد أن يفعله يقول : حلفت بالله ألا أفعله فنهاهم الله - تعالى - عن سلوك هذا الطريق .

وهذا المعنى هو الذي رجحه كثير من المفسرين لأنه هو المناسب لما يجئ بعد ذلك من قوله - تعالى - : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } ووجه المناسبة أن الله - تعالى - يكره للمؤمن أن يجعل الحلف به مانعاً من رجوعه إلى أهله ؛ ولأن هناك أحاديث كثيرة تحض من حلف على ترك أمر من أمور الخير أن يكفر عن يمينه وأن يأتي الأمر الذي فيه خير ، ومن هذه الأحاديث ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني والله إن شاء الله ، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحلللتها " .

وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير " .

وشبيه بهذه الآية في النهي عن الحلف على ترك فعل الخير قوله - تعالى - في شأن سيدنا أبي بكر عندما أقسم ألا ينفق على قريبه الذي خاض في شأن ابنته عائشة { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ } فالآية على هذا الوجه تنهى المؤمن عن المحافظة على اليمين إذا كانت هذه اليمين ما نعة من فعل الخير .

واللام في قوله : { لأَيْمَانِكُمْ } متعلق بعرضة ، وقوله { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ } مفعول لأجله أي : لا تجعلوا الحلف بالله سبباً في الامتناع عن عمل البر والتقوى والإِصلاح بين الناس .

والمعنى على أن عرضة بمعنى النصبة التي تتعرض للسهام : لا تجعلوا - أيها المؤمنون - اسم الله - تعالى - هدفاً لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به في كل حق وباطل ، وذلك لأجل البر والتقوى والإِصلاح بين الناس ، فإن من شأن الذي يكثر الحلف أن تقل ثقة الناس به وبأيمانه ، وقد ذم الله - تعالى - من يكثر الحلف بقوله { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } وأمر بحفظ الأيمان فقال : { واحفظوا أَيْمَانَكُمْ } قال الإِمام الرازي : والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان ، أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ، ولا يبقى لليمين في قلبه وقع ، فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة ، فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين ، وأيضاً كلما كان الإِنسان أكثر تعظيما لله . كان أكمل في العبودية ، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله - تعالى - أجل وأعلاه عنده من أن يستشهد به في غرض دنيوي ، وأما قوله بعد ذلك { أَن تَبَرُّواْ } فهو علة لهذا النهي . أي : إرادة أن تبروا والمعنى إنما نهيتم عن هذا - أي عن الإِكثار من الحلف - لما أن توقى ذلك من البر والتقوى والإِصلاح ، فتكونون يا معشر المؤمنين بسبب عدم إكثاركم من الأيمان - بررة أتقياء مصلحين " .

وهذا الوجه أيضاً استحسنه كثير من العلماء ، ولا تنافى بينهما ؛ لأن الله - تعالى - ينهانا عن أن نجعل القسم به مانعاً من فعل الخير ، كما ينهانا في الوقت نفسه عن أن نكثر من الحلف به في عظيم الأمور وحقيرها .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : سميع لأقوالكم وأيمانكم عند النطق بها عليم بأحوالكم ونياتكم فحافظوا على أمركم به ، وانتهوا عما نهاكم لتنالوا رضاه ومثوبته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

221

ثم ينتقل السياق من الحديث عن حكم المباشرة في فترة الحيض ، إلى الحديث عن حكم الإيلاء . . أي الحلف بالهجران والامتناع عن المباشرة . . وبهذه المناسبة يلم بالحلف ذاته فيجعل الحديث عنه مقدمة للحديث عن الإيلاء .

( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ، والله سميع عليم ، لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ، والله غفور حليم . للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر . فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) . .

التفسير المروي في قوله تعالى : ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم . . )عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لا تجعلن عرضة يمينك ألا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير . وكذا قال مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاووس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والزهري والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء الخراساني والسدي - رحمهم الله - كما نقل ابن كثير .

ومما يستشهد به لهذا التفسير ما رواه مسلم - بإسناده - عن أبي هريرة أن رسول الله [ ص ] قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " . . وما رواه البخاري - بإسناده - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله [ ص ] : " والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه " . .

وعلى هذا يكون معناها : لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من عمل البر والتقوى والإصلاح بين الناس . فإذا حلفتم ألا تفعلوا ، فكفروا عن إيمانكم وأتوا الخير . فتحقيق البر والتقوى والإصلاح أولى من المحافظة على اليمين .

وذلك كالذي وقع من أبي بكر - رضي الله عنه - حين أقسم لا يبر مسطحا قريبه الذي شارك في حادثة الإفك - فأنزل الله الآية التي في سورة النور : ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ، وليعفوا وليصفحوا . ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟ . . فرجع أبو بكر عن يمينه وكفر عنها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

يقول تعالى : لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها ، كقوله تعالى : { وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النور : 22 ] ، فالاستمرار على اليمين آثَمُ لصاحبها من الخروج منها بالتكفير . كما قال البخاري :

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن همام بن منبه ، قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لأن يلجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثمُ له عند الله من أن يُعطي كفارته التي افترض الله عليه " .

وهكذا رواه مسلم ، عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق ، به . ورواه أحمد ، عنه ، به .

ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا يحيى بن صالح ، حدثنا معاوية ، هو ابن سلام ، عن يحيى ، وهو ابن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استلج في أهله بيمين ، فهو أعظم إثمًا ، ليس تغني الكفارة " .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ } قال : لا تجعلن عرضة ليمينك ألا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .

وهكذا قال مسروق ، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وعكرمة ، ومكحول ، والزهري ، والحسن ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، والسدي . ويؤيد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصحيحين ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " وثبت فيهما أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة : " يا عبد الرحمن بن سمرة ، لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " .

وروى مسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا

منها ، فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا خليفة بن خياط ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفارتها " .

ورواه أبو داود من طريق عبيد الله بن الأخنس ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ، ولا في معصية الله ، ولا في قطيعة رحم ، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها ، وليأت الذي هو خير ، فإن تركها كفارتها " .

ثم قال أبو داود : والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها : " فليكفر عن يمينه " وهي الصحاح .

وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سعيد الكندي ، حدثنا علي بن مُسْهِر ، عن حارثة بن محمد ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على قطيعة رحم أو معصية ، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه " .

وهذا حديث ضعيف ؛ لأن حارثة [ هذا ] هو ابن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، متروك الحديث ، ضعيف عند الجميع .

ثم روى ابن جرير عن ابن جبير وسعيد بن المسيب ، ومسروق ، والشعبي : أنهم قالوا : لا يمين في معصية ، ولا كفارة عليها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

{ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } نزلت في الصديق رضي الله تعالى عنه لما حلف أن لا ينفق على مسطح لافترائه على عائشة رضي الله تعالى عنها ، أو في عبد الله بن رواحة حلف أن لا يكلم ختنه بشير بن النعمان ولا يصلح بينه وبين أخته . والعرضة فعلة بمعنى المفعول كالقبضة تطلق لما يعرض دون الشيء وللمعرض للأمر ، ومعنى الآية على الأول ولا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير ، فيكون المراد بالإيمان الأمور المحلوف عليها ، كقوله عليه الصلاة والسلام لابن سمرة " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " . وأن مع صلتها عطف بيان لها ، واللام صلة عرضة لما فيها من معنى الاعتراض ، ويجوز أن تكون للتعليل ويتعلق أن بالفعل أو بعرضة أي ولا تجعلوا الله عرضة لأن تبروا لأجل أيمانكم به ، وعلى الثاني ولا تجعلوه معرضا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به ، ولذلك ذم الحلاف بقوله : { ولا تطع كل حلاف مهين } و{ أن تبروا } علة للنهي أي أنهاكم عنه إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ، فإن الحلاف مجترئ على الله تعالى ، والمجترئ عليه لا يكون برا متقيا ولا موثوقا به إصلاح ذات البين { والله سميع } لأيمانكم . { عليم } بنياتكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 224 )

وقوله تعالى : { ولا تجعلوا لله عرضة لأيمانكم } الآية ، { عرضة } فعلة بناء للمفعول( {[2129]} ) ، أي كثيراً ما يتعرض بما ذكر ، تقول «جمل عرضة للركوب » و «فرس عرضة للجري » ، ومنه قول كعب بن زهير : [ البسيط ] .

من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت . . . عرضتها طامس الاعلام مجهول( {[2130]} )

ومقصد الآية : ولا تعرضوا اسم الله تعالى للأيمان به ، ولا تكثروا من الأيمان فإن الحنث مع الإكثار ، وفيه قلة رعي لحق الله تعالى ، ثم اختلف المتأولون : فقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والربيع وغيرهم : المعنى فيما تريدون الشدة فيه من ترك صلة الرحم والبر والإصلاح . قال الطبري : «التقدير لأن لا ( {[2131]} )تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا » ، وقدره المهدوي : كراهة أن تبروا ، وقال بعض المتأولين : المعنى ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح ، فلا يحتاج إلى تقدير «لا » بعد «أن » ، ويحتمل أن يكون هذا التأويل( {[2132]} ) في الذي يريد الإصلاح بين الناس ، فيحلف حانثاً ليكمل غرضه ، ويحتمل أن يكون على ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : «نزلت في تكثير اليمين بالله نهياً أن يحلف الرجل به براً فكيف فاجراً »( {[2133]} ) ، فالمعنى : إذا أردتم لأنفسكم البر وقال الزجاج وغيره : معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى ، فقال عليّ يمين ، وهو لم يحلف( {[2134]} ) ، و { أن تبروا } مفعول من أجله ، والبر جميع وجوه الخير . «بر الرجل » إذا تعلق به حكمها ونسبها كالحاج والمجاهد والعالم وغير ذلك . وهو مضاد للإثم ، إذ هو الحكم اللاحق عن المعاصي . و { سميع } أي لأقوال العباد { عليم } بنياتهم ، وهو مجاز على الجميع .

وأما سبب الآية فقال ابن جريج : «نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ حلف أن يقطع إنفاقه عن مسطح بن أثاثة حين تكلم مسطح في حديث الإفك » ، وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف أبو بكر أن لا يأكل الطعام( {[2135]} ) ، وقيل : نزلت في عبد الله بن رواحة مع بشير بن سعد حين حلف أن لا يكلمه( {[2136]} ) ، واليمين الحلف ، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يميناً .


[2129]:- فيكون عُرضة بمعنى مَعْرُوض كالفُرقة والحُجرة والغُرفة والقبضة، قال حسّان: وقال الله قدْ يسَّرْتُ جُنْــداً همُ الأنصار عُرْضتْهاَ اللِّقَـاءُ
[2130]:- النضاخة: مؤنث النضاخ يقال: عين نضاخة: فوّارة غزيرة – والذِّفري من الإنسان والحيوان: العظم الشاخص خلف الأذن جمعه: ذفاري، وطامس: يقال: طريق طامس: بعيد لا مسلك فيه. والبيت في وصف الفرس وهي تجري بسرعة وعرقها يسيل، وهي قوية قادرة على الجري في مثل هذا الطريق الصعب.
[2131]:- أي لا تجعلوات الحلف بالله مانعاً لكم من أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، ولكن إذا حلفتم على ذلك وشبهه من أبواب البر فكفِّروا وأتوا الذي هو خير.
[2132]:- يريد التأويل الأخير فهو عنده بمعنيين: المعنى الأول فيمن يحلف كاذبا للإصلاح بين الناس، والمعنى الثاني عن عائشة.
[2133]:- كثرة الحلف بالله منهي عنها في البر، فكيف بالفجور. وقد ذم الله سبحانه الحلاف بقوله: (ولا تطع كلاّ حلاف مَهِينٍ) الآية، وأمر بحفظ الأيمان بقوله: (واحفظوا أيمانكم).
[2134]:- في معرض بيان المقصود من الآية. قال القاضي عياض في "الشفاء": وقد روينا عن عوف بن عبد الله – أي الكوفي الزاهد – أنه قال: ليُعظِّم أحدكم ربه أن يذكر اسمه في كل شيء حتى لا يقول: أخزى الله الكلب وفعل به كذا وكذا، وقد كان بعض من أدركناه من مشايخنا قلما يذكر اسم الله تعالى إلا فيما يتصل بطاعته، وكان يقول للإنسان: جزيت خيرا، وقلما يقول: "جازاك الله خيرا إعظاما لاسمه تعالى أن يمتهن في غير قربة – وحدثنا الثقة أن الإمام أبا بكر الشاسي كا يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم فيه تعالى وفي ذكر صفاته إجلالا لاسمه تعالى، ويقول: «هؤلاء يتمندلون بالله عز وجل، وينزل الكلام في هذا الباب تنزيله في باب سباب النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوه التي فصلناها والله الموفق». ولا يخفى ما في كلام أبي بكر الشاسي من المبالغة، والله سبحانه وتعالى إنما قال: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم).
[2135]:- حلف أبو بكر غاضبا على ولده الذي ترك الأضياف بدون عشاء حتى جاء من عند النبي صلى الله عليه وسلم، قد روى الإمام البخاري رحمه الله حديث الضيافة هذا في ثلاثة مواضع، وفي كتاب الصلاة في باب "السمر مع الأهل والضيف"، وفي كتاب الأدب في باب "ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف"، وفي "علامات النبوة". ورواه الإمام مسلم في كتاب "الأطعمة"، ورواه أبو داود وغيره كذلك. هذا وقصة مسطح في حديث الإفك معروفة.
[2136]:- عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري، أحد الأمراء الشهداء في غزوة مؤتة، وأحد الشعراء المجيدين، شهد العقبة وكل المشاهد والغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا غزوة الفتح لأنها تمت بعد استشهاده. وبشير بن سعد الأنصاري، يكنى أبا النعمان، هو أول من بايع أبا بكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة، وشهد المشاهد كلها. وقد استشهد بعيْن التمر في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما.