الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

قوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأيمانكم . . . } [ البقرة :224 ]

مقصد الآيةِ : ولا تُعرِّضوا اسم اللَّهِ تعالى ، فتكثروا الأيمان به ، فإِن الحِنْثَ يقع مع الإِكثار ، وفيه قِلَّة رَعْيٍ لحقِّ اللَّه تعالى .

وقال الزجَّاج وغيره : معنى الآيةِ : أنْ يكون الإِنسان ، إِذا طُلِبَ منه فعْلُ خيرٍ ونحوه ، اعتل باللَّه ، وقال : عليَّ يمينٌ ، وهو لم يحلفْ .

وقوله : { عُرْضَةً } ، قال ابن العربيِّ في «أحكامه » : اعلم أنَّ بناء عرض في كلامِ العربِ يتصرَّف على معانٍ مرجعُها إِلى المَنْع ، لأنَّ كلَّ شيء عرض فقد منع ، ويقال لما عرض في السَّمَاء من السحَابِ عَارِضٌ ، لأنه يمنع من رؤيتها ، ومن رؤية البدْرَيْن ، والكواكبِ ، انتهى .

و{ أَن تَبَرُّواْ } : مفعولٌ من أجله ، والبِرُّ : جميع وجوه البرِّ ، وهو ضِدُّ الإِثم و{ سَمِيعٌ } ، أي : لأقوالِ العبادِ { عَلِيمٌ } بنياتهمْ ، وهو مُجَازٍ على الجميع ، واليمين : الحَلِفُ ، وأصله أنَّ العَرَب كانت إِذا تحالَفَت ، أو تعاهَدَت ، أخذ الرجل يمينَ صاحبه بيمينه ، ثم كَثُر ذلك حتى سمي الحلف والعَهْد نفسه يميناً .