العرضة : النصبة ، قاله الجوهري . يقال جعلت فلاناً عرضة لكذا : أي : نصبة . وقيل : العرضة من الشدة ، والقوّة ، ومنه قولهم للمرأة : عرضة للنكاح : إذا صلحت له ، وقويت عليه ، ولفلان عرضة : أي : قوّة ، ومنه قول كعب بن زهير :
مِنْ كُلّ نَضَّاخة الدِّفرى إذا عَرِقَتْ *** عُرْضَتُها طَامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ
وأدْمَاءُ مِثل العجل يوماً عَرَضتُها *** لِرَحْلي وفيها هِزَّة وَتَقَاذُفُ
ويطلق العرضة على الهمة ، ومنه قول الشاعر :
هم الأنصار عرضتها اللقاء *** . . .
أي : همتها ، ويقال : فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه ، فعلى المعنى الذي ذكره الجوهري أن العرضة : النصبة كالقبضة ، والغرفة يكون ذلك اسماً لما تعرضه دون الشيء ، أي تجعله حاجزاً له ، ومانعاً منه ، أي : لا تجعلوا الله حاجزاً ، ومانعاً لما حلفتم عليه ، وذلك ؛ لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة رحم ، أو إحسان إلى الغير ، أو إصلاح بين الناس بأن لا يفعل ذلك ، ثم يمتنع من فعله معللاً لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله ، وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية ، ينهاهم الله أن يجعلوه عرضة لأيمانهم ، أي : حاجزاً لما حلفوا عليه ، ومانعاً منه ، وسمى المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين ، وعلى هذا يكون قوله : { أَن تَبَرُّوا } عطف بيان { لأيمانكم } أي : لا تجعلوا الله مانعاً للأيمان التي هي بركم ، وتقواكم ، وإصلاحكم بين الناس ، ويتعلق قوله : { لأيمانكم } بقوله : { لا تجعلوا } أي : لا تجعلوا الله لأيمانكم مانعاً ، وحاجزاً ، ويجوز أن يتعلق بعرضة ، أي : لا تجعلوه شيئاً معترضاً بينكم ، وبين البرّ ، وما بعده ، وعلى المعنى الثاني ، وهو أن العرضة : الشدة ، والقوّة يكون معنى الآية : لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم ، وعدّة في الامتناع من الخير ، ولا يصح تفسير الآية على المعنى الثالث ، وهو : تفسير العرضة بالهمة ، وأما على المعنى الرابع ، وهو من قولهم : فلان لا يزال عرضة للناس ، أي : يقعون فيه ، فيكون معنى الآية عليه : ولا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم ، فتبتذلونه بكثرة الحلف به ، ومنه { واحفظوا أيمانكم } [ المائدة : 89 ] وقد ذمّ الله المكثرين للحلف فقال : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مهِينٍ } [ القلم : 10 ] وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان حتى قال قائلهم :
قَلِيلُ الألايَا حَافِظُ ليمينه *** وإن سبقت منه الألية بَرّت
وعلى هذا ، فيكون قوله : { أَن تَبَرُّوا } علة للنهي ، أي : لا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم إرادة أن تبروا ، وتتقوا ، وتصلحوا ؛ لأن من يكثر الحلف بالله يجترئ على الحنث ، ويفجر في يمينه . وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها ، فمن ذلك قول الزجاج : معنى الآية : أن يكون الرجل إذا طلب منه الفعل الذي فيه خير اعتلّ بالله ، فقال عليَّ يمين ، وهو لم يحلف .
وقيل : معناها : لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البرّ ، والتقوى ، والإصلاح . وقيل : معناها : إذا حلفتم على أن لا تصلوا أرحامكم ، ولا تتصدقوا ، ولا تصلحوا ، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر ، فكفروا عن اليمين ، وقد قيل : إن قوله : { أَن تَبَرُّوا } مبتدأ خبره محذوف أي : البرّ ، والتقوى ، والإصلاح أولى . قاله الزجاج ، وقيل : إنه منصوب أي : لا تمنعكم اليمين بالله البرّ ، والتقوى ، والإصلاح . وروى ذلك عن الزجاج أيضاً . وقيل : معناه : أن لا تبروا ، فحذف لا ، كقوله : { يُبَيّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّوا } [ النساء : 176 ] أي : لا تضلوا . قاله ابن جرير الطبري . وقيل : هو في موضع جرّ على قول الخليل ، والكسائي ، والتقدير : في { أَن تَبَرُّوا } وقوله : { سَمِيعُ } أي : لأقوال العباد : { عَلِيمٌ } بما يصدر منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.