الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

العرضة : فعلة بمعنى مفعول ، كالقبضة والغرفة ، وهي اسم ما تعرضه دون الشيء من عرض العود على الإناء فيعترض دونه ويصير حاجزاً ومانعاً منه . تقول : فلان عرضة دون الخير . والعرضة أيضاً : المعرض للأمر . قال :

فَلاَ تجْعَلُونِي عُرْضَةً لِلَّوَائِمِ ***

ومعنى الآية على الأولى : أنّ الرجل كان يحلف على بعض الخيرات ، من صلة رحم ، أو إصلاح ذات بين ، أو إحسان إلى أحد ، أو عبادة ، ثم يقول : أخاف الله أن أحنث في يميني ، فيترك البرّ إرادة البرّ في يمينه ، فقيل لهم : { وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لايمانكم } أي حاجزاً لما حلفتم عليه . وسمي المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة :

" إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " أي على شيء مما يحلف عليه . وقوله : { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ } عطف بيان لأيمانكم ، أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس .

فإن قلت : بم تعلقت اللام في لأيمانكم ؟ قلت : بالفعل ، أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخاً وحجازاً . ويجوز أن يتعلق ب { عُرْضَةً } لما فيها من معنى الاعتراض ، بمعنى لا تجعلوه شيئاً يعترض البر ، من اعترضني كذا . ويجوز أن يكون اللام للتعليل ، ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة ، أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا . ومعناها على الأخرى : ولا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به ، ولذلك ذم من أنزل فيه { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [ القلم : 10 ] بأشنع المذامّ وجعل الحلاف مقدّمتها . وأن ( تبروا ) علة للنهي ، أي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا ، لأن الحلاف مجترىء على الله ، غير معظم له ، فلا يكون براً متقياً ، ولا يثق به الناس فلا يدخلونه في وساطاتهم وإصلاح ذات بينهم .