19- وما كان الناس في تكوينهم إلا أمة واحدة بمقتضى الفطرة ، ثم بعثنا إليهم الرسل لإرشادهم وهدايتهم بمقتضى وحى الله تعالى ، فكانت تلك الطبيعة الإنسانية التي استعدت للخير والشر سبباً في أن يغلب الشر على بعضهم ، وتحكم الأهواء ونزغات الشيطان ، فاختلفوا بسبب ذلك . ولولا حكم سابق من ربك بإمهال الكافرين بك - أيها النبي - وإرجاء هلاكهم إلى موعد محدد عنده ، لعجل لهم الهلاك والعذاب ، بسبب الخلاف الذي وقعوا فيه ، كما وقع لأمم سابقة .
قوله تعالى : { وما كان الناس إلا أمة واحدة } ، أي : على الإسلام . وقد ذكرنا الاختلاف فيه في سورة البقرة . { فاختلفوا } ، وتفرقوا إلى مؤمن وكافر ، { ولولا كلمة سبقت من ربك } ، بأن جعل لكل أمة أجلا . وقال الكلبي : هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا ، { لقضي بينهم } ، بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين ، وكان ذلك فصلا بينهم ، { فيما فيه يختلفون } ، وقال الحسن : ولولا كلمة سبقت من ربك ، مضت في حكمه أنه : لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة ، لقضي بينهم في الدنيا فأدخل المؤمن الجنة والكافر النار ، ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة .
{ 19 - 20 ْ } { وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ْ }
أي : { وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً ْ } متفقين على الدين الصحيح ، ولكنهم اختلفوا ، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه .
{ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ْ } بإمهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم ، { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ْ } بأن ننجي المؤمنين ، ونهلك الكافرين المكذبين ، وصار هذا فارقا بينهم { فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ْ } ولكنه أراد امتحانهم وابتلاء بعضهم ببعض ، ليتبين الصادق من الكاذب .
ثم بين - سبحانه - أن عبادة الناس لغيره - تعالى - إنما حدثت بعد أن اختلفوا واتبعوا الهوى . فقال :
{ وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا . . . }
المراد بالناس : الجنس البشرى كله في جملته ، فإنهم كانوا أمة واحدة . ثم كثروا وتفرقوا وصاروا شعوبا وقبائل .
ويرى بعض المفسرين أن المراد بالناس هنا : العرب خاصة ، فإنهم كانوا حنفاء على ملة إبراهيم ، إلى أن ظهر فيهم عمرو بن لحى الذي ابتدع لهم عبادة الأصنام .
قال الآلوسى : " قوله { وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا } أى : وما كان الناس كافة من أول الأمر إلا متفقين على الحق والتوحيد من غير اختلاف ، وروى هذا عن ابن عباس والسدى ومجاهد . . وذلك من عهد آدم - عليه السلام - إلأى أن قتل قابيل هابيل . وقيل إلى زمن إدريس - عليه السلام - وقيل إلى زمن نوح . وقيل كانا كذلك في زمنه - عليه السلام - بعد أن لم يبق على الأرض من الكافرين ديار إلى أن ظهر بينهم الكفر .
وقيل : من لدن إبراهيم - عليه السلام - إلى أن أظهر عمرو بن لحي عبادة الأصنام ، وهو المروى عن عطاء . وعليه فالمراد من الناس العرب خاصة ، وهو الأنسب بإبراد الآية الكريمة إثر حكاية ما حكى عنهم من رذائل ، وتنزيه ساحة الكبرياء عن ذلك .
وقوله : { فاختلفوا } أى ما بين ضال ومهتد ، فبعث الله إليهم رسله ، ليبشروا المهتدين بجزيل الثواب ، ولينذروا الضالين بسوء العقاب .
والفاء للتعقيب ، وهى لا تنافي امتداد زمان اتفاقهم على الحق ، لأن المراد بيان أن ووقع الاختلاف بينهم إنما حدث عقيب انتهاء مدة الاتفاق ، لا عقيب حدوثه .
والمراد بالكلمة في قوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ . . . } ما قضاه الله - تعالى - وأراده من تأخير الحكم بين المؤمنين وغيرهم إلى يوم القيامة .
أى : ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير القضاء بين الطائعين والعاصين إلى يوم القيامة ، لقضي بينهم - سبحانه - في هذه الدنيا . فيما كانوا يختلفون فيه وذلك بأن يعجل للكافرين والعصاة العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، ولكنه - سبحانه - اقتضت حكمته عدم تعجيل العقوبة في الدنيا ، وأن يجعل الدار الآخرة هي دار الجزاء والثواب والعقاب .
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة الوعيد الشديد على الاختلاف المؤدي إلى التفرقة في الدين ، وإلى الشقاق والنزاع ، كما تضمنت تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من قومه : فكأنه - سبحانه - يقول إن الاختلاف من طبيعة البشر ، فلا تنتظر من الناس جميعا أن يكونوا مؤمنين .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ النّاسُ إِلاّ أُمّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وما كان الناس إلا أهل دين واحد وملة واحدة ، فاختلفوا في دينهم ، فافترقت بهم السبل في ذلك . وَلوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ يقول : ولولا أنه سبق من الله أنه لا يهلك قوما إلا بعد انقضاء آجالهم ، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول : لقضي بينهم بأن يهلك أهل الباطل منهم وينجي أهل الحقّ .
وقد بيّنا اختلاف المختلفين في معنى ذلك في سورة البقرة ، وذلك في قوله : كانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبَيّينَ وبيّنا الصواب من القول فيه بشواهده فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما كانَ النّاسُ إلاّ أُمّةً وَاحِدَةً فاخْتَلَفُوا حين قتل أحد ابني آدم أخاه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
قالت فرقة : المراد آدم كان أمة واحدة ثم اختلف الناس بعد في أمر ابنيه وقالت فرقة : المراد نسم بنيه إذ استخرجهم الله من ظهره وأشهدهم على أنفسهم وقالت فرقة : المراد آدم وبنوه من لدن نزوله إلى قتل أحد ابنيه الآخر ، وقالت فرقة : المراد { وما كان الناس إلا أمة واحدة } في الضلالة والجهل بالله فاختلفوا فرقاً في ذلك بحسب الجهالة ، ويحتمل أن يكون المعنى كان الناس صنفاً واحداً معداً للاهتداء ، واستيفاء القول في هذا متقدم في سورة البقرة في قوله { كان الناس أمة واحدة }{[6051]} . وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو جعفر ونافع وشيبة وأبو عمرو «لقُضِي بينهم » بضم القاف وكسر الضاد ، وقرأ عيسى بن عمر «لقَضى » بفتحهما على الفعل الماضي ، وقوله { ولولا كلمة سبقت من ربك } يريد قضاءه وتقديره لبني آدم بالآجال المؤقتة ، ويحتمل أن يريد الكلمة ، في أمر القيامة وأن العقاب والثواب إنما كان حينئذ . {[6052]}
جملة معترضة بين جملة [ يونس : 18 ] وجملة : { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه } [ يونس : 20 ] . ومناسبة الاعتراض قوله : { قل أتنبئون الله بما لا يعلم } لأن عبادة الأصنام واختراع صفة الشفاعة لها هو من الاختلاف الذي أحدثه ضلال البشر في العقيدة السليمة التي فطر الله الناس عليها في أول النشأة ، فهي مما يشمله التوبيخ الذي في قوله : { أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } [ يونس : 18 ] .
وصيغة القصر للمبالغة في تأكيد الخبر لأنه خبر مهم عجيب هو من الحِكم العُمرانية والحقائق التاريخية بالمكان الأسمى ، إذ القصر تأكيد على تأكيد باعتبار اشتماله على صيغتي إثبات للمثبَت ونفي عما عداه ، فهو أقوى من تأكيد رد الإنكار ، ولذلك يؤذن برد إنكار شديد .
وحسَّن القصر هنا وقوعه عقب الجدال مع الذين غيروا الدين الحق وروجوا نحلتهم بالمعاذير الباطلة كقولهم : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] ، وقوله : { ما نبعدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] ، بخلاف آية سورة [ البقرة : 213 ] { كان الناس أمة واحدة } فإنها وقعت في سياق المجادلة مع أهل الكتاب لقوله : { سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة } [ البقرة : 211 ] وأهل الكتاب لا ينكرون أن الناس كانوا أمة واحدة . فآية هذه السورة تشير إلى الوحدة الاعتقادية ولذلك عبر عن التفرق الطارىء عليها باعتبار الاختلاف المشعر بالمذمة والمعقب بالتخويف في قوله : { ولولا كلمة سبقت } إلى آخره ، وآية سورة البقرة تشير إلى الوحدة الشرعية التي تجمعها الحنيفية الفطرية ، ولذلك عبر عن التفرق الذي طرأ عليها بأن الله بعث النبيئين مبشرين ومنذرين ، ثم جاء ذكر الاختلاف عرضاً عقب ذلك بقوله : { وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } [ البقرة : 213 ] . وأريد به الاختلاف بين أتباع الشرائع لقوله : { وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه } [ البقرة : 213 ] .
وتقدم القول في { كان الناس أمة واحدة } في سورة [ البقرة : 213 ] .
والناس : اسم جمع للبشر . وتعريفه للاستغراق . والأمة : الجماعة العظيمة التي لها حال واحد في شيء مَّا .
والمراد هنا أمة واحدة في الدين . والسياق يدل على أن المراد أنها واحدة في الدين الحق وهو التوحيد لأن الحق هو الذي يمكن اتفاق البشر عليه لأنه ناشئ عن سلامة الاعتقاد من الضلال والتحْريف . والإنسان لما أنشئ على فطرة كاملة بعيدة عن التكلف . وإنما يتصور ذلك في معرفة الله تعالى دون الأعمال ، لأنها قد تختلف باختلاف الحاجات ، فإذا جاز أن يحدث في البشر الضلال والخطأ فلا يكون الضلال عاماً على عقولهم ، فتعين أن الناس في معرفة الله تعالى كانوا أمة واحدة متفقين على التوحيد لأن الله لما فطر الإنسان فطره على عقل سليم موافق للواقع ، ووَضَع في عقله الشعور بخالق وبأنه واحد وضعاً جِبلِّياً كما وضَع الإلهامات في أصناف الحيوان .
وتأيد ذلك بالوحي لأبي البشر وهو آدم عليه السلام .
ثم إن البشر أدخلوا على عقولهم الاختلاف البعيد عن الحق بسبب الاختلاق الباطل والتخيل والأوهام بالأقيسة الفاسدة . وهذا مما يدخل في معنى قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ التين : 4 6 ] ، فتعين أن المراد في هذه الآية بكون الناس أمةً واحدة الوحدة في الحق ، وأن المقصود مدح تلك الحالة لأن المقصود من هذه الآية بيان فساد الشرك وإثبات خطأ منتحليه بأن سلفهم الأول لم يكن مثلهم في فساد العقول ، وقد كان للمخاطبين تعظيم لما كان عليه أسلافهم ، ولأن صيغة القصر تؤذن بأن المراد إبطال زعم من يزعم غير ذلك .
ووقوعُه عقب ذكر من يعبدون من دون الله أصناماً لا تضرهم ولا تنفعهم يدل على أنهم المقصود بالإبطال ، فإنهم كانوا يحسبون أن ما هم عليه من الضلال هو دين الحق ، ولذلك صوروا إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام في الكعبة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح « كَذبوا والله إِنْ استقسما بها قَطِ ، وقرأ : { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين } [ آل عمران : 67 ] » وبهذا الوجه يجعل التعريف في { الناس } للاستغراق .
ويجوز أن يراد بالناس العربُ خاصة بقرينة الخطاب ويكون المراد تذكيرهم بعهد أبيهم إبراهيم عليه السلام إذ كان هو وأبناؤه وذريتهم على الحنيفية والتوحيدِ كما قال تعالى : { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَراء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمةً باقية في عقبه لعلهم يرجعون } [ الزخرف : 26 28 ] ، أي في عقبه من العرب ، فيكون التعريف للعهد .
وجملة : { ولولا كلمة سبقت من ربك } إخبار بأن الحق واحد ، وأن ذلك الاختلاف مذموم ، وأنه لولا أن الله أراد إمهال البشر إلى يوم الجزاء لأراهم وجه الفصل في اختلافهم باستيصال المُبطل وإبقاءِ المحق . وهذه الكلمة أجملت هنا وأشير إليها في سورة [ الشورى : 14 ] بقوله : { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مُسمى لقضي بينهم . } والأجل : هو أجل بقاء الأمم ، وذلك عند انقراض العالم ، فالقضاء بينهم إذن مؤخر إلى يوم الحساب . وأصرح من ذلك في بيان معنى ( الكلمة ) قولُه في سورة [ هود : 118 ] { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمةُ ربك لأملأنَّ جهنم من الجنة والناس أجمعين } وسيأتي بيانها .
وتقديم المجرور في قوله : { فيما فيه يختلفون } للرعاية على الفاصلة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما كان الناس} في زمان آدم، عليه السلام،
{إلا أمة واحدة}، يعني ملة واحدة مؤمنين لا يعرفون الأصنام والأوثان، ثم اتخذوها بعد ذلك، فذلك قوله: {فاختلفوا} بعد الإيمان،
{ولولا كلمة سبقت من ربك} قبل الغضب، لأخذناهم عند كل ذنب فذلك قوله: {لقضي بينهم فيما فيه يختلفون} يعني في اختلافهم بعد الإيمان.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وما كان الناس إلا أهل دين واحد وملة واحدة، فاختلفوا في دينهم، فافترقت بهم السبل في ذلك. "وَلوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ "يقول: ولولا أنه سبق من الله أنه لا يهلك قوما إلا بعد انقضاء آجالهم، "لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" يقول: لقضي بينهم بأن يهلك أهل الباطل منهم وينجي أهل الحقّ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم، وذلك في عهد آدم إلى أن قتل قابيل هابيل. وقيل: بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين دياراً.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة، {لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ} عاجلاً فيما اختلفوا فيه، ولميز المحق من المبطل، وسبق كلمته بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف، وتلك دار ثواب وعقاب.
اعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة القاهرة على فساد القول بعبادة الأصنام، بين السبب في كيفية حدوث هذا المذهب الفاسد، والمقالة الباطلة، فقال: {وما كان الناس إلا أمة واحدة} واعلم أن ظاهر قوله: {وما كان الناس إلا أمة واحدة} يدل على أنهم أمة واحدة فبماذا؟ وفيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنهم كانوا جميعا على الدين الحق، وهو دين الإسلام، واحتجوا عليه بأمور: الأول: أن المقصود من هذه الآيات بيان كون الكفر باطلا، وتزييف طريق عبادة الأصنام، وتقرير أن الإسلام هو الدين الفاضل، فوجب أن يكون المراد من قوله: {كان الناس أمة واحدة} هو أنهم كانوا أمة واحدة، إما في الإسلام وإما في الكفر، ولا يجوز أن يقال إنهم كانوا أمة واحدة في الكفر. فبقي أنهم كانوا أمة واحدة في الإسلام، إنما قلنا إنه لا يجوز أن يقال إنهم كانوا أمة واحدة في الكفر لوجوه: الأول: قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} وشهيد الله لا بد وأن يكون مؤمنا عدلا. فثبت أنه ما خلت أمة من الأمم إلا وفيهم مؤمن. الثاني: أن الأحاديث وردت بأن الأرض لا تخلو عمن يعبد الله تعالى، وعن أقوام بهم يمطر أهل الأرض وبهم يرزقون. الثالث: أنه لما كانت الحكمة الأصلية في الخلق هو العبودية، فيبعد خلو أهل الأرض بالكلية عن هذا المقصود. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقية من أهل الكتاب» وهذا يدل على قوم تمسكوا بالإيمان قبل مجيء الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف يقال إنهم كانوا أمة واحدة في الكفر؟ وإذا ثبت أن الناس كانوا أمة واحدة إما في الكفر وإما في الإيمان، وأنهم ما كانوا أمة واحدة في الكفر، ثبت أنهم كانوا أمة واحدة في الإيمان، ثم اختلف القائلون بهذا القول أنهم متى كانوا كذلك؟ فقال ابن عباس ومجاهد كانوا على دين الإسلام في عهد آدم وفي عهد ولده، واختلفوا عند قتل أحد ابنيه الابن الثاني، وقال قوم: إنهم بقوا على دين الإسلام إلى زمن نوح، وكانوا عشرة قرون. ثم اختلفوا على عهد نوح. فبعث الله تعالى إليهم نوحا. وقال آخرون: كانوا على دين الإسلام في زمن نوح بعد الغرق، إلى أن ظهر الكفر فيهم. وقال آخرون: كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي، وهذا القائل قال: المراد من الناس في قوله تعالى: {وما كان الناس إلا أمة واحدة} فاختلفوا العرب خاصة.
إذا عرفت تفصيل هذا القول فنقول: إنه تعالى لما بين فيما قبل فساد القول بعبادة الأصنام بالدليل الذي قررناه، بين في هذه الآية أن هذا المذهب ليس مذهبا للعرب من أول الأمر، بل كانوا على دين الإسلام، ونفي عبادة الأصنام. ثم حذف هذا المذهب الفاسد فيهم، والغرض منه أن العرب إذا علموا أن هذا المذهب ما كان أصليا فيهم، وأنه إنما حدث بعد أن لم يكن، لم يتعصبوا لنصرته، ولم يتأذوا من تزييف هذا المذهب، ولم تنفر طباعهم من إبطاله. ومما يقوي هذا القول وجهان: الأول: أنه تعالى قال: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} ثم بالغ في إبطاله بالدليل. ثم قال عقيبه: {وما كان الناس إلا أمة واحدة} فلو كان المراد منه بيان أن هذا الكفر كان حاصلا فيهم من الزمان القديم، لم يصح جعل هذا الكلام دليلا على إبطال تلك المقالة. أما لو حملناه على أن الناس في أول الأمر كانوا مسلمين، وهذا الكفر إنما حدث فيهم من زمان، أمكن التوسل به إلى تزييف اعتقاد الكفار في هذه المقالة، وفي تقبيح صورتها عندهم، فوجب حمل اللفظ عليه تحصيلا لهذا الغرض. الثاني: أنه تعالى قال: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم} ولا شك أن هذا وعيد، وصرف هذا الوعيد إلى أقرب الأشياء المذكورة أولى، والأقرب هو ذكر الاختلاف، فوجب صرف هذا الوعيد إلى هذا الاختلاف، لا إلى ما سبق من كون الناس أمة واحدة، وإذا كان كذلك، وجب أن يقال: كانوا أمة واحدة في الإسلام لا في الكفر، لأنهم لو كانوا أمة واحدة في الكفر لكان اختلافهم بسبب الإيمان، ولا يجوز أن يكون الاختلاف الحاصل بسبب الإيمان سببا لحصول الوعيد. أما لو كانوا أمة واحدة في الإيمان لكان اختلافهم بسبب الكفر، وحينئذ يصح جعل ذلك الاختلاف سببا للوعيد.
القول الثاني: قول من يقول المراد كانوا أمة واحدة في الكفر، وهذا القول منقول عن طائفة من المفسرين. قالوا: وعلى هذا التقدير ففائدة هذا الكلام في هذا المقام هي أنه تعالى بين للرسول عليه الصلاة والسلام، أنه لا تطمع في أن يصير كل من تدعوه إلى الدين مجيبا لك، قابلا لدينك. فإن الناس كلهم كانوا على الكفر، وإنما حدث الإسلام في بعضهم بعد ذلك، فكيف تطمع في اتفاق الكل على الإيمان؟
القول الثالث: قول من يقول: المراد إنهم كانوا أمة واحدة في أنهم خلقوا على فطرة الإسلام، ثم اختلفوا في الأديان. وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه» ومنهم من يقول المراد كانوا أمة واحدة في الشرائع العقلية، وحاصلها يرجع إلى أمرين: التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله. وإليه الإشارة بقوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} واعلم أن هذه المسألة قد استقصينا فيها في سورة البقرة، فلنكتف بهذا القدر ههنا.
أما قوله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون} فاعلم أنه ليس في الآية ما يدل على أن تلك الكلمة ما هي؟ وذكروا فيه وجوها: الأول: أن يقال لولا أنه تعالى أخبر بأنه يبقى التكليف على عباده، وإن كانوا به كافرين، لقضى بينهم بتعجيل الحساب والعقاب لكفرهم، لكن لما كان ذلك سببا لزوال التكليف، ويوجب الإلجاء، وكان إبقاء التكليف أصوب وأصلح، لا جرم أنه تعالى أخر هذا العقاب إلى الآخرة. ثم قال هذا القائل، وفي ذلك تصبير للمؤمنين على احتمال المكاره من قبل الكافرين والظالمين. الثاني: {ولولا كلمة سبقت من ربك} في أنه لا يعاجل العصاة بالعقوبة إنعاما عليهم، لقضى بينهم في اختلافهم، بما يمتاز المحق من المبطل والمصيب من المخطئ الثالث: أن تلك الكلمة هي قوله: «سبقت رحمتي غضبي» فلما كانت رحمته غالبة اقتضت تلك الرحمة الغالبة إسبال الستر على الجاهل الضال وإمهاله إلى وقت الوجدان.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بين شرارتهم بعبادة غير الله وختم بتنزيهه وكماله، بين أن هذا الدين الباطل حادث، وبين نزاهته وكماله ببيان أن الناس كانوا أولاً مجتمعين على طاعته ثم خالفوا أمره فلم يقطع إحسانه إليهم بل استمر في إمهالهم مع تماديهم في سوء أعمالهم على ما سبق في علمه ومضى به قضاءه فقال تعالى: {وما كان الناس} أي كلهم مع ما لهم من الاضطراب {إلا أُمة} ولما أفهم ذلك وحدتهم في القصد حققه وأكده فقال: {واحدة} أي حنفاء متفقين على طاعة الله {فاختلفوا} في ذلك...والأمة: الجماعة على معنى واحد في خلق واحد كأنها تؤم -أي تقصد- شيئاً واحداً؛
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
تقدم في هذا السياق -من أول السورة إلى هنا- أن أهل مكة لم يكن دأبهم في تكذيبهم للوحي المحمدي إلا كدأب من قبلهم من الأقوام الذين كذبوا رسلهم. ولم يكونوا في استعجال نبيهم العذاب إلا كالذين استعجلوا رسلهم العذاب أيضا، وتقدم فيه بيان بعض طباع البشر- ولاسيما الكفار- في الرعونة والعجلة، وفي الضراعة إلى الله والإخلاص له عند الشدة، ونسيانه عند الرخاء، وفي الإشراك بالله بدعوى أن لهم شفعاء عند الله يدفعون عنهم الضر، ويجلبون لهم النفع بوجاهتهم عنده، ثم جاءت هذه الآية في بيان ما كان عليه الناس من الوحدة، وما صاروا عليه من الاختلاف والفرقة، فالتناسب بينها وبين ما قبلها في غاية القوة.
{ومَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ} قيل إن المراد بالناس هنا العرب، فإنهم كانوا حنفاء على ملة إبراهيم إلى أن ظهر فيهم عمرو بن لحيّ الذي ابتدع لهم عبادة غير الله، وصنع لهم الأصنام كما ثبت في صحيح البخاري فاختلفوا بأن أشرك بعضهم، وثبت على الحنيفة آخرون.
وقيل -وهو المختار- أن المراد الجنس البشري في جملته، فإنهم كانوا أمة واحدة على الفطرة، إذ كانوا يعيشون عيشة السذاجة والواحدة كأسرة واحدة، حتى كثروا وتفرقوا فصاروا عشائر فقبائل فشعوبا تختلف حاجتها وتتعارض منافعها، فتتعادى وتتقابل في التنازع فيها، فبعث الله فيهم النبيين والمرسلين لهدايتهم، وإزالة الاختلاف بكتاب الله ووحيه، ثم اختلفوا في الكتاب نفسه أيضا بغيا بينهم، واتباعا لأهوائهم، وتقدم تفصيل هذا في تفسير [البقرة: 213]، وأقوال المفسرين في المسألة، والترجيح بنيها.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي ولولا كلمة حق فاصلة سبقت من ربك في جعل جزاء الناس العام في الآخرة لجعله لهم في الدنيا بإهلاك المبطلين الباغين منهم، فالمراد من الكلمة قوله تعالى في هذه السورة: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93]، ومثله في سور أخرى، والآية تتضمن الوعيد على اختلاف الناس المفضي إلى الشقاق والعدوان، ولاسيما الاختلاف في كتاب الله الذي أنزله لإزالة الشقاق بحكمه، وإدالة الوحدة والوفاق منه، وتقدم بيانه وحكمته في تفسير آية البقرة (213) وفي غيرها، وسنعود إلى بيان حكمته وحكمة خلق الإنسان مستعدا للاختلاف في تفسير آية سورة هود {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [هود: 117]...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة معترضة بين جملة ["ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم..."] [يونس: 18] وجملة: {ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه} [يونس: 20]. ومناسبة الاعتراض قوله: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم} لأن عبادة الأصنام واختراع صفة الشفاعة لها هو من الاختلاف الذي أحدثه ضلال البشر في العقيدة السليمة التي فطر الله الناس عليها في أول النشأة، فهي مما يشمله التوبيخ الذي في قوله: {أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18]. وصيغة القصر للمبالغة في تأكيد الخبر لأنه خبر مهم عجيب هو من الحِكم العُمرانية والحقائق التاريخية بالمكان الأسمى، إذ القصر تأكيد على تأكيد باعتبار اشتماله على صيغتي إثبات للمثبَت ونفي عما عداه، فهو أقوى من تأكيد رد الإنكار، ولذلك يؤذن برد إنكار شديد. وحسَّن القصر هنا وقوعه عقب الجدال مع الذين غيروا الدين الحق وروجوا نحلتهم بالمعاذير الباطلة كقولهم: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18]، وقوله: {ما نبعدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3]
فتعين أن المراد في هذه الآية بكون الناس أمةً واحدة الوحدة في الحق، وأن المقصود مدح تلك الحالة لأن المقصود من هذه الآية بيان فساد الشرك وإثبات خطأ منتحليه بأن سلفهم الأول لم يكن مثلهم في فساد العقول، وقد كان للمخاطبين تعظيم لما كان عليه أسلافهم، ولأن صيغة القصر تؤذن بأن المراد إبطال زعم من يزعم غير ذلك.
فآية هذه السورة تشير إلى الوحدة الاعتقادية ولذلك عبر عن التفرق الطارىء عليها باعتبار الاختلاف المشعر بالمذمة والمعقب بالتخويف في قوله: {ولولا كلمة سبقت} إلى آخره، وآية سورة البقرة تشير إلى الوحدة الشرعية التي تجمعها الحنيفية الفطرية، ولذلك عبر عن التفرق الذي طرأ عليها بأن الله بعث النبيئين مبشرين ومنذرين، ثم جاء ذكر الاختلاف عرضاً عقب ذلك بقوله: {وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} [البقرة: 213]. وأريد به الاختلاف بين أتباع الشرائع لقوله: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه} [البقرة: 213].
{ولولا كلمة سبقت من ربك} إخبار بأن الحق واحد، وأن ذلك الاختلاف مذموم، وأنه لولا أن الله أراد إمهال البشر إلى يوم الجزاء لأراهم وجه الفصل في اختلافهم باستئصال المُبطل وإبقاءِ المحق. وهذه الكلمة أجملت هنا وأشير إليها في سورة [الشورى: 14] بقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مُسمى لقضي بينهم.} والأجل: هو أجل بقاء الأمم، وذلك عند انقراض العالم، فالقضاء بينهم إذن مؤخر إلى يوم الحساب. وأصرح من ذلك في بيان معنى (الكلمة) قولُه في سورة [هود: 118] {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمةُ ربك لأملأنَّ جهنم من الجنة والناس أجمعين}..وتقديم المجرور في قوله: {فيما فيه يختلفون} للرعاية على الفاصلة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إِنّ هذه الآية تتمّة للبحث الذي مرّ في الآية السابقة حول نفي الشرك وعبادة الأصنام تشير إِلى فطرة التوحيد لكل البشر، وتقول: (وما كان الناس إلاّ أُمّة واحدة).
إِنّ فطرة التوحيد هذه، والتي كانت سالمة في البداية، إلاّ أنّها قد اختلفت وتلوّثت بمرور الزمن نتيجة الأفكار الضيقة، والميول الشيطانية والضعف، فانحرف جماعة عن جادة التوحيد وتوجهوا إِلى الشرك، وقد انقسم المجتمع الإِنساني إِلى قسمين مختلفين: قسم موحّد، وقسم مشرك: (فاختلفوا). بناءً على هذا فإِنّ الشرك في الواقع نوع من البدعة والانحراف عن الفطرة، الانحراف المترشح من الأوهام والخرافات التي لا أساس لها.
وقد يطرح هنا هذا السؤال، وهو: لماذا لا يرفع الله هذا الاختلاف بواسطة عقاب المشركين السريع، ليرجع المجتمع الإِنساني جميعه موحِّداً؟
ويجيب القرآن الكريم مباشرة عن هذا السؤال بأنّ الحكمة الإلهية تقتضي حرية البشر في مسير الهداية، فهي رمز التكامل والرقي، ولو لم يكن أمره كذلك فإِنّ الله سبحانه كان سيقضي بينهم في اختلافاتهم: (ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون).
بناءً على هذا فإِنّ (كلمة) في الآية إِشارة إِلى السنّة وقانون الخلقة الذي يقتضي حرية البشر، لأنّ المنحرفين والمشركين لو كانوا يعاقبون سريعاً ومباشرة، فإِنّ إِيمان الموحّدين سيكون إجباريا و نتيجة للخوف والرهبة، ومثل هذا الإِيمان لا يُعدُّ فخراً. ولا دليلا على التكامل، والله سبحانه قد أجّل العقاب والجزاء لعالم الآخرة لينتخب الصالحون والطاهرون طريقهم بحرية تامّة.