فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱخۡتَلَفُواْۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (19)

قوله : { وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا } قد تقدّم تفسيره في البقرة . والمعنى : أن الناس ما كانوا جميعاً إلا أمة واحدة موحدة لله سبحانه ، مؤمنة به ، فصار البعض كافراً وبقي البعض الآخر مؤمناً ، فخالف بعضهم بعضاً . وقال الزجاج : هم العرب كانوا على الشرك . وقال : كل مولود يولد على الفطرة ، فاختلفوا عند البلوغ ، والأوّل أظهر . وليس المراد أن كل طائفة أحدثت ملة من ملل الكفر مخالفة للأخرى ، بل المراد : كفر البعض وبقي البعض على التوحيد ، كما قدّمنا : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } وهي : أنه سبحانه لا يقضى بينهم فيما اختلفوا فيه إلا يوم القيامة { لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ } في الدنيا { فِيمَا } هم { فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } لكنه قد امتنع ذلك بالكلمة التي لا تتخلف ، وقيل معنى : { لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ } بإقامة الساعة عليهم ، وقيل : لفرغ من هلاكهم . وقيل : الكلمة : إن الله أمهل هذه الأمة فلا يهلكهم بالعذاب في الدنيا . وقيل : الكلمة : أنه لا يأخذ أحداً إلا بحجة ، وهي إرسال الرسل كما قال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَث رَسُولاً } . وقيل : الكلمة : قوله «سبقت رحمتي غضبي » . وقرأ عيسى بن عمر : «لقضي » بالبناء للفاعل . وقرأ من عداه بالبناء للمفعول .

/خ19