تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱخۡتَلَفُواْۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (19)

وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ) قال بعضهم : قوله : ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِداة ) أي أهل مكة ؛ كانوا كلهم أهل شرك عباد الأوثان والأصنام ، لم يكن فيهم اليهودية ولا النصرانية ولا شيء من اختلاف المذاهب . فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم اختلفوا : فمنهم من آمن به ، وصدقه ، وأخلص دينه لله ، ومنهم من عاند ، وكابر في تكذيبه بعد ن عرف أنه رسول الله ، ومنهم من شك فيه ، ومنهم من لم ينظر في أمره قط ، ولا تفكر فيه ، فصاروا أربع فرق .

وقال بعضهم : ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ) بالفطرة ؛ أي كانوا جميعا على الفطرة ، وفي فطرة كل الشهادة على وحدانية الله تعالى وألوهيته كقوله : ( وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها )[ آل عمران : 83 ] وقوله : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) في خلقه كل واحد الشهادة لله بالوحدانية له والألوهية .

( فاختلفوا ) فمنهم من كان على تلك الفطرة ، ومنهم من كذب ، واختار الكفر ، وهو ما روي : «كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه ، وينصرانه »[ البخاري1385 ] أخبر أنهم على الفطرة لو تركوا على ذلك ، [ لكن ][ من م ، ساقطة من الأصل ] أبويه يمنعانه عن الكون عليها .

وقيل : ( وما كان الناس إلا أمة واحدة ) أي كان الخلائق جملة أمم كقوله : ( وما من دابة في الأرض ولا طير يطير بجناحه إلا أمم أمثالكم )[ الأنعام : 38 ] كأنه يعاتب هذه الأمة ؛ يقول : إن الأمم مع اختلاف جواهرها وأجناسها كانوا خاضعين لله مخلصين له ، فأنتم أيها الناس أمة من تلك الأمم ، فكيف اختلفتم ، وأشركتم غيره في ألوهيته وربوبيته مع ما ركب فيكم من العقل[ في الأصل وم : القول ] والتمييز بين ما هو حكمة ، وما هو سفه ، وفضلكم على غيرها من الأمم في خلق ما خلق في السموات وفي[ في الأصل وم : وما في ] الأرض لكم ، وسخر لكم ذلك كله ما لم يفعل ذلك بغيرها من الأمم ؟

ومنهم من قال من أهل التأويل في قوله : ( وما كان الناس إلا أمة واحدة ) زمن نوح ، ومن دخل معه إلى السفينة كانوا على دين واحد ، فاختلفوا بعدما خرجوا ، ومنهم من قال [ كانوا زمن ][ ساقطة من الأصل وم ] آدم ، فاختلف أولاده ، ومنهم من قال [ كانوا زمن ][ ساقطة من الأصل وم ] إبراهيم . لكنا نشهد كيف كان الأمر ، لا نعلم إلا بخبر من الله تعالى .

وقوله تعالى : ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) [ فيه وجهان :

أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : قيل : لولا أن من حكمه ألا يعذب هذه الأمة عند تكذيبهم الآيات [ إذا سألوها ][ من م ، في الأصل : عند السؤال ] ولكن أخر تعذيب هذه الأمة إلى يوم القيامة .

والثاني : ( ولوا كلمة سبقت من ربك ) ألا يستأصل هذه الأمة عند تكذيب الرسل والعناد لهم .

أحد التأويلين في ترك استئصالهم ، والآخر في تأخير العذاب إلى وقت .

وقوله تعالى : ( لقضي بينهم ) ببيان يضطرهم إلى القبول .