السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱخۡتَلَفُواْۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (19)

ولما أقام تعالى الدلالة القاهرة على فساد القول بعبادة الأصنام بيّن السبب في كيفية حدوث هذا المذهب الفاسد بقوله : { وما كان الناس إلا أمَّة واحدة } أي : جميعاً على الدين الحق وهو دين الإسلام . وقيل على الضلال في فترة الرسل ، واختلف القائلون بالأوّل أنهم متى كانوا كذلك . ؟ فقال ابن عباس ومجاهد : كانوا على دين الإسلام من لدن آدم إلى أن قَتَلَ قابيلُ هابيلَ . وقال قوم : إلى زمن نوح ، وكانوا عشرة قرون . ثم اختلفوا في عهد نوح فبعث الله تعالى إليهم نوحاً . وقال آخرون : كانوا على دين الإسلام من زمن نوح بعد الغرق حيث لم يذر الله على الأرض من الكافرين ديّاراً إلى أن ظهر الكفر فيهم . وقال آخرون : من عهد إبراهيم عليه السلام إلى زمن عمرو بن لحي ، وهذا القائل قال : المراد من الناس في قوله تعالى : { وما كان الناس إلا أمة واحدة } العرب خاصة . { فاختلفوا } بأن ثبت بعض وكفر بعض . { ولولا كلمة سبقت من ربك } وهو تأخير الحكم إلى يوم القيامة ، وقيل : تلك الكلمة هي قوله سبحانه : " سبقت رحمتي غضبي " . فلما كانت رحمته غالبة اقتضت تلك الرحمة الغالبة إسبال الستر على الجاهل الضال ، وإمهاله إلى وقت الوجدان { لقضي بينهم } أي : الناس بنزول العذاب في الدنيا دون يوم القيامة { فيما فيه يختلفون } من الدين بإهلاك المبطل ، وإبقاء المحق ، وكان ذلك فصلاً بينهم .