المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

41- وإن أمارات العذاب والهزيمة قائمة ، ألم ينظروا إلي أنّا نأتي الأرض التي قد استولوا عليها ، يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء ؟ وبذلك ننقص عليهم الأرض من حولهم ، والله - وحده - هو الذي يحكم بالنصر أو الهزيمة ، والثواب أو العقاب ، ولا راد لحكمه ، وحسابه سريع في وقته ، فلا يحتاج الفصل إلي وقت طويل ، لأن عنده علم كل شيء ، فالبينات قائمة{[104]} .


[104]:تتضمن هذه الآية حقائق وصلت إليها البحوث العلمية الأخيرة إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها وقوة طردها المركزي يؤديان إلي تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض، وكذلك عرف أن سرعة انطلاق جزئيات الغازات المغلفة للكرة الأرضية إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها، فإنها تنطلق إلي خارج الكرة الأرضية. وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، لا أرض أعداء المؤمنين، وهذا احتمال في التفسير تقبله الآية الكريمة.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

قوله تعالى : { أو لم يروا } يعني : أهل مكة ، الذين يسألون محمدا صلى الله عليه وسلم الآيات ، { أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } ، أكثر المفسرين على أن المراد منه فتح ديار الشرك ، فإن ما زاد في ديار الإسلام فقد نقص من ديار الشرك ، يقول : { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } ، فنفتحها لمحمد أرضا بعد أرض حوالي أرضهم ، أفلا يعبرون ؟ هذا قول ابن عباس وقتادة وجماعة .

وقال قوم : هو خراب الأرض ، معناه : أو لم يروا أنا نأتي الأرض فنخربها ، ونهلك أهلها ، أفلا يخافون أن نفعل بهم ذلك ؟ قال مجاهد : هو خراب الأرض وقبض أهلها . وعن عكرمة قال : قبض الناس . وعن الشعبي مثله . وقال عطاء وجماعة : نقصانها موت العلماء ، وذهاب الفقهاء .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " . وقال الحسن : قال عبد الله بن مسعود : موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : عليكم بالعلم قبل أن يقبض ذهاب أهله . وقال علي رضي الله عنه : إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كف لم تعد . وقال سليمان : لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر ، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس . وقيل لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : هلاك علمائهم . { والله يحكم لا معقب لحكمه } ، لا راد لقضائه ، ولا ناقض لحكمه . { وهو سريع الحساب * }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

ثم قال متوعدا للمكذبين { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } قيل بإهلاك المكذبين واستئصال الظالمين ، وقيل : بفتح بلدان المشركين ، ونقصهم في أموالهم وأبدانهم ، وقيل غير ذلك من الأقوال .

والظاهر -والله أعلم- أن المراد بذلك أن أراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ، ويحل القوارع بأطرافها ، تنبيها لهم قبل أن يجتاحهم النقص ، ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يرده أحد ، ولهذا قال : { وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } ويدخل في هذا حكمه الشرعي والقدري والجزائي .

فهذه الأحكام التي يحكم الله فيها ، توجد في غاية الحكمة والإتقان ، لا خلل فيها ولا نقص ، بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد ، فلا يتعقبها أحد ولا سبيل إلى القدح فيها ، بخلاف حكم غيره فإنه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه ، { وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } أي : فلا يستعجلوا بالعذاب فإن كل ما هو آت فهو قريب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

ثم وبخ - سبحانه - المشركين لعدم تفكرهم وتدبرهم واتعاظهم بآثار من قبلهم ، فقال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا . . . }

والهمزة للاستفهام الإِنكارى ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام .

والخطاب لمشركى مكة ومن كان على شاكلتهم في الكفر والضلال .

والمراد بالأرض هنا : أرض الكفرة والظالمين .

والأطراف جمع طرف وهو جانب الشئ .

والمعنى : أعمى هؤلاء الكافرين عن التفكير والاعتبار ، ولم يروا كيف أن قدرة الله القاهرة ، قد أتت على الأمم القوية الغنية - حين كفرت بنعمه - سبحانه - ، فصيرت قوتها ضعفا وغناها فقرا ، وعزها ذلا ، وأمنها خوفا . . وحصرتها في رقعة ضيقة من الأرض ، بعد أن كانت تملك الأراضى الفسيحة ، والأماكن المترامية الأطراف .

فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين ، وإنذار للكافرين .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الغالبون } قال الآلوسى ما ملخصه : " وروى عن ابن عباس أن المراد بانتقاص الأرض : موت أشرافها وكبرائها وذهاب العلماء منها . وعليه يكون المراد بالأرض جنسها وبالأطراف الأشراف والعلماء ، وشاهده قول الفرزدق :

واسأل بنا وبكم ، إذا وردت منى *** أطراف كل قبيلة ، من يتبع ؟

يريد أشراف كل قبيلة .

وتقرير الآية عليه : أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة ، وموتا بعد حياة ، وذلا بعد عز . . فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله - تعالى - الأمر عليهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة . .

ثم قال : وهو كما ترى :

والأول - وهو أن يكون المراد بالأرض : أرض الكفر ، وبالأطراف الجوانب - أوفق بالمقام ، ولا يخفى ما في التعبير بالإتيان المؤذن بعظيم الاستيلاء من الفخامة ، وجملة " ننقصها " في موضع الحال من فاعل نأتى . . " .

وقوله - سبحانه - : { والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } بيان لعلو شأن حكمه - تعالى - ونفاذ أمره .

والمعقب : هو الذي يتعقب فعل غيره ، أو قوله فيبطله أو يصححه .

أى : والله - تعالى - يحكم ما يشاء أن يحكم به في خلقه ، لاراد لحكمه ، ولا دافع لقضائه ، ولا يتعقب أحد ما حكم به بتغيير أو تبديل ، وقد حكم - سبحانه - بعزة الإِسلام ، وعلو شأنه وشأن أتباعه على سائر الأمم والأديان . .

وقوله { وَهُوَ سَرِيعُ الحساب } أى : وهو - سبحانه - سريع المحاسبة والمجازاة ، لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه غيره من الإِحصاء والعد ، إذ هو - سبحانه - محيط بكل شئ ، فلا تستبطئ . عقابهم - أيها الرسول الكريم - فإن ما وعدناك به واقع لا محالة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

19

وإن يد الله القوية لبادية الآثار فيما حولهم ، فهي تأتي الأمم القوية الغنية - حين تبطر وتكفر وتفسد - فتنقص من قوتها وتنقص من ثرائها وتنقص من قدرها ؛ وتحصرها في رقعة من الأرض ضيقة بعد أن كانت ذات سلطان وذات امتداد ، وإذا حكم الله عليها بالانحسار فلا معقب لحكمه ، ولا بد له من النفاذ :

( أولم يروا أنا نأتي الأرض تنقصها من أطرافها ! والله يحكم لا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أو لم ير هؤلاء المشركون من أهل مكة الذين يسألون محمدا الاَيات ، أنا نأتي الأرض فنفتحها له أرضا بعد أرض حوالي أرضهم ، أفلا يخافون أن نفتح له أرضهم كما فتحنا له غيرها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها منْ أطْرَافها قال : أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : أو لَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها يعني بذلك : ما فتح الله على محمد ، يقول : فذلك نقصانها .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : ما تغلبت عليه من أرض العدوّ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : كان الحسن يقول في قوله : أو لمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها فهو ظهور المسلمين على المشركين .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أو لَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها يعني أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان ينتقص له ما حوله من الأرضين ، ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون ، قال الله في سورة الأنبياء : نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها أفَهُمُ الغالِبُونَ بل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الغالبون .

وقال آخرون : بل معناه : أو لم يروا أنا نأتي الأرض فنخرّبها ، أو لا يخافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرب أرضهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : أو لَمْ يَرَوْا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية .

قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن الأعرج ، أنه سمع مجاهدا يقول : نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : خرابها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الأعرج ، عن مجاهد ، مثله . قال : وقال ابن جريج : خرابها وهلاك الناس .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي جعفر الفراء ، عن عكرمة ، قوله : أو لَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : نخرّب من أطرافها .

وقال آخرون : بل معناه : ننقص من بركتها وثمرتها وأهلها بالموت . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ننْقُصُها منْ أطْرَافها يقول : نقصان أهلها وبركتها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : نَنْقُصها منْ أطْرَافها قال : في الأنفس وفي الثمرات ، وفي خراب الأرض .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن طلحة القناد ، عمن سمع الشعبي ، قال : لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حُشّك ، ولكن تنقص الأنفس والثمرات .

وقال آخرون : معناه : أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها ، فنتطرّفهم بأخذهم بالموت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : نَنْقُصُها منْ أطْرافها قال : موت أهلها .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : ألَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : الموت .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا هارون النحوي ، قال : حدثنا الزبير بن الحرث عن عكرمة ، في قوله : نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : هو الموت . ثم قال : لو كانت الأرض تنقص لم نجد مكانا نجلس فيه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : كان عكرمة يقول : هو قبض الناس .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : سئل عكرمة عن نقص الأرض ، قال : قبض الناس .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، في قوله : أو لَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : لو كان كما يقولون لما وجد أحدكم جبّا يخرأ فيه .

حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية : أو لَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال : الموت .

وقال آخرون : ننقصها من أطرافها بذهاب فقهائها وخيارها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : ذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها .

قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن مجاهد ، قال : موت العلماء .

وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، قول من قال : أو لَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليها وقهرهم أهلها ، أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظهورهم على أرضهم وقهرهم إياهم ؟ وذلك أن الله توعد الذين سألوا رسوله الاَيات من مُشركي قومه بقوله : وإمّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِيَ نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفّيَنّكَ فإنّما عَلَيْكَ البَلاغُ وَعَلَيْنا الحسابُ . ثم وبخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضربائهم من الكفار ، وهم مع ذلك يسألون الاَيات ، فقال : أو لَمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها بقهر أهلها ، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها ، وهم لا يعتبرون بما يرون من ذلك .

وأما قوله : واللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ يقول : والله هو الذي يحكم فينفذ حكمه ، ويقضي فيمضي قضاؤه ، وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حكم الله وقضاؤه لم يستطيعوا ردّه . ويعني بقوله : لا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ : لا رادّ لحكمه ، والمعقّب في كلام العرب : هو الذي يَكُرّ على الشيء ، وقوله : وَهُوَ سَرِيعُ الحِسابِ يقول : والله سريع الحساب يحصي أعمال هؤلاء المشركين لا يخفي عليه شيء ومن وراء جزائهم عليها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

{ أوَلم يروا أنا نأتي الأرض } أرض الكفرة . { ننقصها من أطرافها } بما نفتحه على المسلمين منها . { والله يحكم لا معقّب لحكمه } لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإبطال ، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالاقتضاء ، والمعنى أنه حكم للإسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار وذلك كائن لا يمكن تغييره ، ومحل { لا } مع المنفي النصب على الحال أي يحكم نافذا حكمه . { وهو سريع الحساب } فيحاسبهم عما قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والاجلاء في الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

والضمير في قوله : { يروا } عائد على كفار قريش وهم المتقدم ضميرهم في قوله : { نعدهم } .

وقوله : { نأتي } معناه بالقدرة والأمر ، كما قال الله تعالى : { فأتى الله بنيانهم من القواعد }{[6985]} [ النحل : 26 ] و { الأرض } يريد به اسم الجنس ، وقيل : يريد أرض الكفار المذكورين .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بحسب الاختلاف في قوله : { ننقصها من أطرافها } .

وقرأ الجمهور : «نَنقصها » وقرأ الضحاك «نُنقصها »{[6986]} .

وقوله : { من أطرافها } من قال : إنها أرض الكفار المذكورين - قال : معناه ، ألم يروا أنا نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك فننقصها بما يدخل في دينك في القبائل ، والبلاد المجاورة لهم ، فما يؤمنهم أن نمكنك منهم أيضاً ، كما فعلنا بمجاوريهم - قاله ابن عباس والضحاك .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بحسب الاختلاف في قوله : { ننقصها من أطرافها } القول لا يتأتى إلا بأن نقدر نزول هذه الآية بالمدينة ، ومن قال : إن { الأرض } اسم جنس جعل الانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة - هذا قول ابن عباس أيضاً ومجاهد .

وقالت فرقة : الانتقاص هو بموت البشر وهلاك الثمرات ونقص البركة ، قاله ابن عباس أيضاً والشعبي وعكرمة وقتادة . وقالت فرقة : الانتقاص هو بموت العلماء والأخيار - قال ذلك ابن عباس أيضاً ومجاهد - وكل ما ذكر يدخل في لفظ الآية .

و «الطرف » من كل شيء خياره ، ومنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : العلوم أودية في أي واد أخذت منها حسرت فخذوا من كل شيء طرفاً . يعني خياراً .

وجملة معنى هذه الآية : الموعظة وضرب المثل ، أي ألم يروا فيقع منهم اتعاظ .

وأليق ما يقصد لفظ الآية هو تنقص الأرض بالفتوح على محمد .

وقوله : { لا معقب } أي لا راد ولا مناقض يتعقب أحكامه ، أي ينظر في أعقابها أمصيبة هي أم لا ؟{[6987]} وسرعة حساب الله واجبة لأنها بالإحاطة ليست بعدد .


[6985]:من الآية (26) من سورة (النحل).
[6986]:بتشديد القاف، من نَّقص المتعدي بالتضعيف.
[6987]:المعقب هو الذي يكر على الشيء فيبطله، وحقيقته الذي يعقبه بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق: معقب لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب، قال لبيد: حتى تهجر في الرواح و هاجه طلب المعقب حقه المظلوم أي: طلب المظلوم المعقب حقه، و "المعقب" في محل رفع لأنها فاعل المصدر "طلب"، و "المظلوم" مرفوع عطفا على موضع "المعقب".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

عطف على جملة { وإما نرينك بعض الذي نعدهم } [ الرعد : 40 ] المتعلقة بجملة { لكل أجل كتاب } . عقبت بهذه الجملة لإنذار المكذبين بأن ملامح نصر النبي صلى الله عليه وسلم قد لاحت وتباشير ظَفَره قد طلعت ليتدبروا في أمرهم ، فكان تعقيب المعطوف عليها بهذه الجملة للاحتراس من أن يتوهموا أن العقاب بطيء وغيرُ واقع بهم . وهي أيضاً بشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله مظهر نصره في حياته وقد جاءت أشراطه ، فهي أيضاً احتراس من أن ييأس النبي صلى الله عليه وسلم من رؤية نصره مع علمه بأن الله متم نوره بهذا الدّين .

والاستفهام في { أولم يروا أنا } إنكاري ، والضمير عائد إلى المكذبين العائد إليهم ضمير { نعدهم } . والكلام تهديد لهم بإيقاظهم إلى ما دب إليهم من أشباح الاضمحلال بإنقاص الأرض ، أي سكانها .

والرؤية يجوز أن تكون بصرية . والمراد : رؤية آثار ذلك النقص ؛ ويجوز أن تكون علمية ، أي ألم يعملوا ما حل بأرضي الأمم السابقة من نقص .

وتعريف { الأرض } تعريف الجنس ، أي نأتي أية أرض من أرضي الأمم . وأطلقت الأرض هنا على أهلها مجازاً ، كما في قوله تعالى : { واسأل القرية } [ سورة يوسف : 82 ] بقرينة تعلق النقص بها ، لأن النقص لا يكون في ذات الأرض ولا يرى نقص فيها ولكنه يقع فيمن عليها . وهذا من باب قوله تعالى : { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها } [ سورة محمد : 10 ] .

وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد ب{ الأرض } أرض الكافرين من قريش فيكون التعريف للعهد ، وتكون الرؤية بصرية ، ويكون ذلك إيقاظاً لهم لما غلب عليه المسلمون من أرض العدوّ فخرجت من سلطانه فتنقص الأرض التي كانت في تصرفهم وتزيد الأرض الخاضعة لأهل الإسلام . وبنوا على ذلك أن هذه الآية نزلت بالمدينة وهو الذي حمل فريقاً على القول بأن سورة الرعد مدنية فإذا اعتبرت مدنية صح أن تفسر الأطراف بطرفين وهما مكة والمدينة فإنهما طرفا بلاد العرب ، فمكة طرفها من جهة اليَمن ، والمدينة طرف البلاد من جهة الشام ، ولم يزل عدد الكفار في البلدين في انتقاص بإسلام كفارها إلى أن تمحضت المدينة للإسلام ثم تمحضت مكة له بعد يوم الفتح .

وأيّاً ما كان تفسير الآية وسبب نزولها ومكانه فهي للإنذار بأنهم صائرون إلى زوال وأنهم مغلوبون زائلون ، كقوله في الآية الأخرى في سورة الأنبياء : { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون } [ سورة الأنبياء : 51 ] ، أي ما هم الغالبون . وهذا إمهال لهم وإعذار لعلهم يتداركون أمرهم .

وجملة { والله يحكم لا معقب لحكمه } [ سورة الرعد : 41 ] عطف على جملة { أولم يروا أنا } مؤكدة للمقصود منها ، وهو الاستدلال على أن تأخير الوعيد لا يدل على بطلانه ، فاستدل على ذلك بجملة { وإما نرينك بعض الذي نعدهم } ثم بجملة { أولم يروا أنا نأتي الأرض } ثم بجملة { والله يحكم } ، لأن المعنى : أن ما حكم الله به من العقاب لا يبطله أحد وأنه واقع ولو تأخر .

ولذلك فجملة { لا معقب لحكمه } في موضع الحال ، وهي المقيدة للفعل المراد إذ هي مصب الكلام إذ ليس الغرض الإعلام بأن الله يحكم إذ لا يكاد يخفى ، وإنما الغرض التنبيه إلى أنه لا معقب لحكمه . وأفاد نفي جنس المعقب انتفاء كل ما من شأنه أن يكون معقباً من شريك أو شفيع أو داع أو راغب أو مستعصم أو مفتد .

والمعقب : الذي يعقب عملاً فيبطله ، مشتق من العَقِب ، وهو استعارة غلبت حتى صارت حقيقة . وتقدم عند قوله تعالى : { له معقبات } [ سورة الرعد : 11 ] في هذه السورة ، كأنه يجيء عقب الذي كان عمل العمل .

وإظهار اسم الجلالة بعد الإضمار الذي في قوله : أنا نأتي الأرض } لتربية المهابة ، وللتذكير بما يحتوي عليه الاسم العظيم من معنى الإلهية والوحدانية المقتضية عدم المنازع ، وأيضاً لتكون الجملة مستقلة بنفسها لأنها بمنزلة الحكمة والمثل .

وجملة { وهو سريع الحساب } يجوز أن تكون عطفاً على جملة { والله يحكم } فتكون دليلاً رابعاً على أن وعده واقع وأن تأخره وإن طال فما هو إلا سريع باعتبار تحقق وقوعه ؛ ويجوز أن يكون عطفاً على جملة الحال . والمعنى : يحكم غير منقوص حكمه وسريعاً حسابه . ومآل التقديرين واحد .

والحساب : كناية عن الجزاء والسرعة : العجلة ، وهي في كل شيء بحسبه .