نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

ولما أرشد السياق إلى أن التقدير في تحقيق{[44427]} أنه سبحانه قادر على الجزاء لمن أراد : ألم يروا أنا أهلكنا من قبلهم وكانوا أقوى منهم شوكة وأكثر عدة ؟ عطف عليه قوله : { أولم يروا أنا } أي بما لنا من العظمة { نأتي الأرض } التي{[44428]} هؤلاء الكفرة بها ، فكأنه قيل :{[44429]} أي إتيان ؟ فقيل : إتيان البأس{[44430]} إذا أردنا ، والرحمة إذا أردنا { ننقصها } والنقص : أخذ شيء من الجملة تكون به أقل { من أطرافها } بما يفتح الله على المسلمين مما يزيد به في أرض أهل الإسلام بقتل بعض الكفار واستسلام البعض حتى يبيد أهلها على حسب{[44431]} ما نعلمه{[44432]} حكمة من تدبير الأمور وتقليبها حالاً إلى حال حتى تنتهي إلى مستقرها بعد الحساب في دار ثواب أو عقاب ، وذلك أن المسلمين كانوا يغزون ما يلي المدينة الشريفة من أطراف بلاد الكفار كما أرشد تعالى إليه بقوله : { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار{[44433]} } فيفتحونها أولاً فأولاً حتى دان{[44434]} العرب كلهم طوعاً أو كرهاً بعد قتل السادة وذل القادة - والله غالب على أمره .

والطرف : المنتهى ، وهو موضع من الشيء ليس وراءه منه شيء ، وأطراف الأرض : جوانبها ، وكان يقال : الأطراف{[44435]} : منازل الأشراف ، يطالبون القرب على الأضياف{[44436]} ؛ ثم أثبت لنفسه تعالى أمراً كلياً يندرج ذلك فيه ، فقال لافتاً الكلام من أسلوب التكلم{[44437]} بالعظمة إلى غيبة هي أعظم العظمة{[44438]} بالاسم الأعظم : { والله } أي الملك الأعلى { يحكم } ما يريد لأنه { لا معقب } أي أراد ، لأن التعقيب : رد{[44439]} الشيء بعد فصله { لحكمه } وقد حكم{[44440]} للإسلام بالغلب{[44441]} والإقبال ، وعلى الكفر بالانتكاس والإدبار ، وكل من حكم على غير هذه الصفة فليس بحاكم ، وذلك كاف في الخوف من سطوات قدرته { وهو } مع تمام القدرة { سريع الحساب * } جزاءه محيط بكل عمل لا يتصور أن يفوته شيء فلا بد من لقاء جزائه ، وكل ما هو آت سريع ، وهو مع ذلك يعد لكل{[44442]} عمل جزاءه على ما تقتضيه الحكمة من عدل أو{[44443]} فضل حين صدوره ، لا يحتاج إلى زمان ينظر فيه ما جزاءه ؟ ولا : هل عمل أو لا ؟ لأنه لا تخفى عليه خافية ؛ والسرعة : عمل الشيء في قلة المدة على ما تحده الحكمة ، والإبطاء : عمله في طول مدة خارجة عن الحكمة ، والسرعة محمودة ، والعجلة مذمومة ، وهو تعالى قادر على الكفرة وإن كانوا كالقاطعين بأنهم يغلبون ، لما لهم من القوة والكثرة ، مع جودة الآراء وحدة الأفكار{[44444]} والقدرة بالأموال وإن اشتد مكرهم ، فهو لا يغني عنهم شيئاً ، فقد مكروا بك غير مرة ثم لم أزدك{[44445]} إلا علواً{[44446]}


[44427]:زيد بعده في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[44428]:في ظ: أي.
[44429]:سقط من ظ.
[44430]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: اليأس.
[44431]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حساب.
[44432]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: يعلمه.
[44433]:سورة 9 آية 123.
[44434]:في ظ ومد: دار.
[44435]:زيد من ظ و م ومد.
[44436]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الأصناف.
[44437]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[44438]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[44439]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: مرد.
[44440]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: الإسلام بالقلب.
[44441]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: الإسلام بالقلب.
[44442]:سقط من ظ.
[44443]:في ظ: أي.
[44444]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الإنكار.
[44445]:في ظ: لم أدركه.
[44446]:في ظ: علو.