تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

وقوله تعالى : ( أولم يروا ) قد ذكرنا في ما تقدم أنه إنما هو حرف تعجيب وتنبيه ، فهو يخرج على وجهين : أحدهما : على الخبر ؛ أي قد رأوا أنا فعلنا ما ذكرنا[ في الأصل وم : ذكر ] .

والثاني : على الأمر ، أي روا أنا فعلنا ما ذكرنا[ في الأصل وم : ذكر ] ، وهو ما ذكر من قوله : ( أولم يسيروا في الأرض ) [ الروم : 9 ] أي قد ساروا في الأرض ، أي سيروا .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) قال بعضهم : هو ما جعل من أرض الكفرة للمسلمين بالفتح لهم والنصر على أولئك والإخراج من سلطان أولئك الكفرة وأيديهم وإدخالها في أيدي المسلمين . فذلك النقصان ، والله أعلم : لما وعد [ الله ][ ساقطة من الأصل وم ] لرسوله أن يريه بعض ما وعد لهم قال [ في الأصل وم : فقال ] الكفرة عند ذلك : أين ما وعد [ الله ][ ساقطة من الأصل وم ] أن يريك ، فقال عند ذلك : ( أولم يروا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) أي : ألم يروا أنه جعل بعض ما كان لهم من الأرضين للمسلمين . فإذا قدر على جعل البعض الذي كان لهم لهؤلاء [ فإنه ][ ساقطة من الأصل وم ] لقادر أن يجعل الكل لهم ، أفلا تعتبرون ؟ هذا ، والله أعلم ، ما أراد بما ذكر من النقصان . وقال قائلون : نقصان الأرض ، موت [ فقهائها وعلمائها وفناؤهم ][ في الأصل وم : فقهاؤها وفناها ، في م : فقهائها وعلمائها ] ووجه هذا هو[ في الأصل وم : وهو ] أن الفقهاء والعلماء هم عمار الأرض ، وأهلها[ في الأصل وم : وأهلهم ] ، وبهم صلاح الأرض ، فوصف الأرض بالنقصان بذهاب أهلها ، وهو ما وصف الأرض بالفساد ، هو قوله : ( لفسدت الأرض )[ البقرة : 251 ] وقوله : ( ظهر الفساد في البر والبحر )[ الروم : 41 ] فالأرض لا تفسد بنفسها ، ولكن وصفت بالفساد لفساد أهلها .

فعلى ذلك لا تنقص هي بنفسها ، ولكن وصفت بالنقصان لذهاب أهلها وعمارها : فقهائها وعلمائها .

ثم يحتمل ذهاب العلماء المتقدمين الذين تقدموا رسول الله في الأمم السالفة ، وهم علماء أهل الكتاب . فنقول : ألا يعتبرون بأولئك الذين قبضوا ، وتفانوا ، من علمائهم ؟ فلا بد من رسول يعلمهم الآداب والعلوم ، ويجدد لهم ما درس من الرسوم ، وذهب من الآثار .

فكيف أنكروا رسالته ؟ وفي بعث الرسول حدوث العلماء ، وذلك وقت حدوث العلماء وزمانه .

فإن كان أراد العلماء المتأخرين وفقهاءهم [ يخرج ذلك المخرج ][ في الأصل وم : فيخرج ذلك مخرج ] التعزية له ؛ أي تصير الأرض بحال ، يوصف بالنقصان بذهاب العلماء /266-ب/ والفقهاء .

وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) قيل : لا راد لحكمه ، وحكمه يحتمل العذاب الذي حكم على الكفرة . يقول : لا راد للعذاب الذي حكم عليهم ، وهو كقوله : ( قال رب احكم بالحق )[ الأنبياء : 112 ] أي احكم بالعذاب الذي حكمت عليهم .

ويحتمل قوله : ( لا معقب لحكمه ) أي لا يتعقب أحد حكمه ، ولا يعقب أحد سلطانه ، كما يكون في حكم الخلائق ، يتعقب بعض عن بعض ، وكما ذكر في الحفظة ( له معقبات من بين يديه )[ الرعد : 11 ] يتعقب بعض عن بعض في الحفظ وفي ما سلطوا ، والله أعلم ( وهو سريع الحساب ) هذا قد ذكرنا في غير موضع .