الضمير في أو لم يروا عائد على الذين وعدوا ، وفي ذلك اتعاظ لمن اتعظ ، نبهوا على أنْ ينظروا بعض الأرض من أطرافها .
ونأتي يعني بالأمر والقدرة كقوله : { فأتى الله بنيانهم } والأرض أرض الكفار المذكورين ، ويعني بنقصها من أطرافها للمسلمين : من جوانبها .
كان المسلمون يغزون من حوالى أرض الكفار مما يلي المدينة ، ويغلبون على جوانب أرض مكة ، والأطراف : الجوانب .
وقيل : الطرف من كل شيء خياره ، ومنه قول علي بن أبي طالب : العلوم أودية ، في أي واد أخذت منها خسرت ، فخذوا من كل شيء طرفاً يعني : خياراً قاله ابن عطية ، والذي يظهر أن معنى طرفاً جانباً وبعضاً ، كأنه أشار إلى أنّ الإنسان يكون مشاركاً في أطراف من العلوم ، لأنه لا يمكنه استيعاب جميعها ، ولم يشر إلى أنه يستغرق زمانه في علم واحد .
وقال ابن عباس والضحاك : نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك ، فتنقصها بما يدخل في دينك من القبائل والبلاد المجاورة لهم ، فما يؤمنهم أن يمكنه منهم .
وهذا التفسير لا يتأتى إلا أن قدر نزول هذه الآية بالمدينة .
وقيل : الأرض اسم جنس ، والانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة .
وروي هذا عن ابن عباس أيضاً ، ومجاهد ، وعنهما أيضاً : الانتقاص هو بموت البشر ، وهلاك الثمرات ، ونقص البركة .
وعن ابن عباس أيضاً : موت أشرافها وكبرائها ، وذهاب الصلحاء والأخيار ، فعلى هذا الأطراف هنا الأشراف .
وقال ابن الأعرابي : الطرف والطرف الرجل الكريم .
وعن عطاء بن أبي رباح : ذهاب فقهائها وخيار أهلها .
وعن مجاهد : موت الفقهاء والعلماء .
وقال عكرمة والشعبي : هو نقص الأنفس .
وقيل : هلاك من أهلك من الأمم قبل قريش ، وهلاك أرضهم بعدهم .
والمناسب من هذه الأقوال هو الأول .
ولم يذكر الزمخشري إلا ما هو قريب منه قال : نأتي الأرض أرض الكفر ننقصها من أطرافها بما يفتح على المسلمين من بلادهم ، فينقص دار الحرب ، ويزيد في دار الإسلام ، وذلك من آيات الغلبة والنصرة .
ونحوه : { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون } { سنريهم آياتنا في الآفاق } والمعنى : عليك بالبلاغ الذي حملته ، ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ، ونتم ما وعدناك من الظفر ، ولا يضجرك تأخره ، فإنّ ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها ، ثم طيب نفسه ونفس عنها بما ذكر من طلوع تباشير الظفر .
ويتجه قول من قال : النقص بموت الأشراف والعلماء والخيار وتقريره : أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خراباً بعد عماره ، وموتاً بعد حياة ، وذلا بعد عز ، ونقصاً بعد كمال ، وهذه تغييرات مدركة بالحس .
فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله الأمر عليهم ويصيرون دليلين بعد أن كانوا قاهرين .
وقرأ الضحاك : ننقصها مثقلاً ، من نقص عداه بالتضعيف من نقص اللازم ، والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله ، وحقيقته الذي يعقبه أي : بالرد والإبطال ، ومنه قيل لصاحب الحق : معقب ، لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب .
طلب المعقب حقه المظلوم *** والمعنى : أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال ، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس .
وقيل : تتعقب أحكامه أي : ينظر في أعقابها أمصيبة هي أم لا ، والجملة من قوله : لا معقب لحكمه في موضع الحال أي : نافذ حكمه ، وهو سريع الحساب تقدم الكلام على مثل هذه الجملة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.