محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

وقوله تعالى :

[ 41 ] { أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب 41 } .

{ أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } أي : أرض الكفرة . ننقصها عليهم بإظهار دين الإسلام في أطراف ممالكهم .

قال ابن عباس : أولم يروا أنا نفتح للرسول الأرض بعد الأرض ، يعنى أن انتقاص أحوال الكفرة وازدياد قوة المسلمين من أقوى العلامات على أنه تعالى ينجز وعده ، ونظيره قوله تعالى{[5114]} : { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ، أفهم الغالبون } / وقوله{[5115]} :

{ سنريهم آياتنا في الآفاق . . . } الآية .

قال الشهاب : هذا مرتبط بما قبله . يعني لم يؤخر عذابهم لإهمالهم ، بل لوقته المقدر أو ما ترى نقص ما في أيديهم من البلاد وزيادة ما لأهل الإسلام . ولم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم به تعظيما له ، وخاطبهم تهويلا وتنبيها عن سنة الغفلة . ومعنى { نأتي الأرض } يأتيها أمرنا وعذابنا . انتهى .

وقيل : ننقصها من أطرافها بموت أهلها وتخريب ديارهم وبلادهم . فهؤلاء الكفرة كيف أمنوا من أن يحدث فيهم أمثال هذه الوقائع ؟ .

تنبيه :

يذكرون ها هنا- رواية عن ابن عباس ومجاهد : أن نقصها من أطرافها هو موت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها . ويؤيد من يعتمد ذلك بأن الجوهري حكى عن ثعلب : أن الأطراف يطلق على الأشراف جمع طرف وهو الرجل الكريم ، وشاهده قول الفرزدق{[5116]} :

واسأل بنا وبكم إذا وردت منى *** أطراف كل قبيلة ، من يتبع

يريد أشراف كل قبيلة . فمعنى الآية : أو لم يروا ما يحدث في الدنيا من الاختلافات : موت بعد حياة ، وذل بعد عز ، ونقص بعد كمال ! وإذا كان هذا مشاهدا محسوسا ، فما الذي يؤمنهم من أن يقلب الله الأمر عليهم فيذلهم بعد العزة ! ولا يخفاك أن هذا المعنى لا يذكره السلف تفسيرا للآية على أنه المراد منها ، وإنما يذكرونه تهويلا لخطب موت العلماء بسبب أنهم أركان الأرض وصلاحها وكمالها وعمرانها ، فموتهم نقص لها وخراب منها . كما قال أحمد بن غزال :

الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها *** متى يمت عالم منها يمت طرف

كالأرض تحيى إذا ما الغيث حل بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التّلف

ولذا قال الأزهري كما في ( لسان العرب ) : أطراف الأرض نواحيها الواحد طرف ، { وننقصها من أطرافها } أي نواحيها ناحية ناحية ، وعلى هذا من فسر ( نقصها من أطرافها ) فتوح الأرضين . وأما من جعل ( نقصها من أطرافها ) موت علمائها فهو من غير هذا ، قال : والتفسير على القول الأول .

وقوله تعالى : { والله يحكم } أي : ما يشاء كما يشاء ، وقد حكم للإسلام بالعز والإقبال ، وعلى الكفر بالذل والإدبار ، حسبما يشاهد من المخايل والآثار وفي الالتفات من التكلم إلى الغيبة ، وبناء الحكم على الاسم الجليل ، من الدلالة على الفخامة وتربية المهابة وتحقيق مضمون الخبر ، بالإشارة إلى العلة ، ما لا يخفى وهي جملة اعتراضية جيء بها لتأكيد فحوى ما تقدمها .

وقوله تعالى : { لا معقب لحكمه } اعتراض في اعتراض . لبيان علو شأن حكمه تعالى . وقيل : نصب على الحالية كأنه قيل : والله يحكم نافذا حكمه - كما تقول جاء زيد لا عمامة على رأسه ، أي حاسرا . و ( المعقب ) من يكرّ على الشيء فيبطله ، وحقيقته من يعقبه ويقفّيه بالرد والإبطال . أفاده أبو السعود .

{ وهو سريع الحساب } أي فعمّا قليل يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا بالقتل والأسر .


[5114]:[21 / الأنبياء / 44].
[5115]:[41 / فصلت / 53].
[5116]:في الديوان (صفحة 526) من يصنع عوضا عن (من يتبع). ومطلع القصيدة: بيّن إذا وردت عليك مجاشع أو نهشل تلعاتكم ما تصنع؟