الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الأرض } أرض الكفر { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } بما نفتح على المسلمين من بلادهم ، فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام ، وذلك من آيات النصرة والغلبة ونحوه { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } [ الأنبياء : 44 ] ، { أَفَهُمُ الغالبون } [ الأنبياء : 44 ] ،

{ سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِى الافاق } [ فصلت : 53 ] والمعنى : عليك بالبلاغ الذي حملته ؛ ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من الظفر ، ولا يضجرك تأخره ؛ فإن ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها ، ثم طيب نفسه ونفس عنها بما ذكر من طلوع تباشير الظفر . وقرىء «ننقصها » بالتشديد { لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ } لا رادّ لحكمه .

والمعقب : الذي يكرّ على الشيء فيبطله ، وحقيقته : الذي يعقبه أي يقفيه بالردّ والإبطال . ومنه قيل لصاحب الحق : معقب ؛ لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب . قال لبيد :

طَلَبُ الْمُعَقِّبِ حَقَّهُ الْمَظْلُومُ ***

والمعنى : أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال ، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس { وَهُوَ سَرِيعُ الحساب } فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا .

فإن قلت : ما محل قوله لا معقب لحكمه ؟ قلت : هو جملة محلها النصب على الحال ، كأنه قيل : والله يحكم نافذاً حكمه ، كما تقول جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة ، تريد حاسراً .