اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } الآية .

لما وعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بأن يريد بعض ما وعده أو يتوفاه قبل ذلك ، بين ههنا أن آثار حصول تلك المواعيد وعلاماتها قد ظهرت ، فقال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني أن أهل مكة الذي يسألون محمداً عليه الصلاة والسلام الآيات { أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } أكثر المفسرين على أن المراد : فتشح ديار الشرك فإن ما زاد من دار الإسلام قد نقص من دار الشرك ؛ لأن المسلمين يستولون على أطراف مكة ويأخذونها من الكفرة قهراً وجبراً ، فانتقاض أحوال الكفرة وازدياد قوة المسلمين من أقوى العلامات على أن الله تبارك وتعالى ينجز وعده فلا يعتبرون بهذا ونظيره قوله تعالى : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الغالبون } [ الأنبياء : 44 ] وقوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ } [ فصلت : 53 ] .

وقال قوم : هو خراب الأرض ، أي : أولم يروا أنا نأتي الأرض فنخربها ، ونهلك أهلها ، أفلا تخافون أن يفعل بكم ذلك ؟ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً : ننقصها من أطرافها ، المراد موت كبرائها وأشرافها وعلمائها وذهاب الصلحاء . قال الواحدي : " وهذا القول وإن احتمله اللفظ إلا أن اللائق بهذا الموضع هو الوجه الأول ، ويمكن أن يقال : هذا الوجه أيضاً لا يليق بهذا الموضع ؛ لأن قوله { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خراب بعد عمارة ، وموت بعد حياة ، وذل بعد عز ، ونقص بعد كمال ، وإذا كانت هذه التغيرات مشاهدة محسوسة فما الذي يؤمنهم أن الله يقلب الأمر على هؤلاء الكفرة ويصيرهم ذليلين بعد عزهم ومقهورين بعد قهرهم ، فناسب هذا الكلام ماقبله " .

قوله : نَنْقُصهَا " حال إما من فاعل " نَأتِي " أو من مفعوله .

وقرأ الضحاك " نُنَقِّصها " بالتضعيف ، عداه بالتضعيف .

قوله : " لا مُعَقِّبَ " جملة حالية ، وهي لازمة . والمعقب : هو الذي يكرّ على الشيء فيبطله ، قال لبيد : [ الكامل ]

3188 . . . . . . . . . . . . . . . . . *** طَلبُ المُعقِّبِ حَقَّهُ المظْلُومُ

والمعنى : والله يحكم لا رادَّ لحكمه . والمعقب : هو الذي يعقبه بالرد والإبطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب ؛ لأنه يعقب غريمه بالاقتضاء والطلب كأنه قيل : والله يحكم نافذاً حكمه خالياً عن المدافع والمعارض والمنازع { وَهُوَ سَرِيعُ الحساب } قال ابن عباس رضي الله عنه : الانتقام .