فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( 41 ) }

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني أهل مكة والاستفهام للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنكروا نزول ما وعدناهم أو أشكوا أو لم ينظروا ، وفي ذلك لم يروا { أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ } أي أرض الكفر كمكة { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } بالفتوح على المسلمين منها شيئا فشيئا بما ينقص من أطراف المشركين ويزيد في أطراف المؤمنين .

قال الزجاج : أعلم الله أن بيان ما وعد المشركين من قهرهم قد ظهر ، يقول أو لم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم فكيف لا يعتبرون وهذا قول قتادة وجماعة من المفسرين ، وقيل إن معنى الآية ننقصها بموت العلماء والصلحاء . وقال ابن عباس : موت علمائها وفقهائها وذهاب خيار أهلها . وعن مجاهد نحوه .

قال القشيري : وعلى هذا فالأطراف الأشراف ، وقد قال ابن الأعرابي : الطرف الرجل الكريم ، قال القرطبي : وهذا القول بعيد لأن مقصود الآية أنا أريناهم النقصان في أمرهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز إلا أن يحمل على موت أحبار اليهود والنصارى .

قال الواحدي : التفسير الأول أولى لأن هذا القول وإن صح فلا يليق بهذا الموضع وبه قال الرازي ، وقيل المراد خراب الأرض المعمورة حتى يكون العمران في ناحية منها . قاله ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة والشعبي وعطاء وجماعة من المفسرين أي نخربها ونهلك أهلها أفلا تخافون أن يفعل بكم ذلك .

وقيل المراد بالآية هلاك من هلك من الأمم ، وقيل المراد جور ولاتها حتى تنقص . وقال ابن عباس : نقصان أهلها وبركتها . وعنه إنما تنقص الأنفس والثمرات ، وأما الأرض فلا تنقص .

{ وَاللّهُ يَحْكُمُ } ما يشاء في خلقه فيرفع هذا ويضع هذا ، ويحيي هذا ويميت هذا ويغني هذا ويفقر هذا ، وفي الالتفات من التكلم إلى الغيبة وبناء الحكم على الاسم الشريف والعلم الجليل من الدلالة على الفخامة وتربية المهابة وتحقيق مضمون الخبر بالإشارة إلى العلة ما لا يخفى على ذي بصيرة .

{ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } أي لا راد لقضائه ، والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذي يقفيه بالرد والإبطال . قال الفراء : معناه لا راد لحكمه .

قال : والمعقب الذي يتبع الشيء فيستدركه ولا يستدرك أحد عليه ، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يتعقب غريمه بالطلب ، يعني أنه حكم للإسلام بالإقبال وعلى الكفر . بالإدبار ، وذلك كائن لا يمكن تغييره ، ومحل { لا } مع النفي النصب على الحال ، أي يحكم نافذا حكمه خاليا من المدافع والمعارض والمنازع لا يتعقب أحد حكمه سبحانه بنقض ولا تغيير . قال ابن زيد : ليس أحد يتعقب حكمه فيرده كما يتعقب أهل الدنيا بعضهم حكم بعض فيرده .

{ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } أي الانتقام فيحاسبهم بعد زمن قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل وأخرجهم من ديارهم في الدنيا فلا تستبطئ عقابهم فإنه آت لا محالة وكل آت قريب ، وقد تقدم الكلام في معناه قبل هذا ، والمعنى فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته على السرعة .