{ الله الصمد } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وسعيد بن جبير : الصمد الذي لا جوف له . قال الشعبي : الذي لا يأكل ولا يشرب . وقيل : تفسيره ما بعده .
روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال : الصمد : الذي لم يلد ولم يولد ؛ لأن من يولد سيموت ، ومن يرث يورث منه .
قال أبو وائل شقيق بن سلمة : هو السيد الذي قد انتهى سؤدده ، وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال : هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع السؤدد . وعن سعيد بن جبير أيضاً : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله . وقيل : هو السيد المقصود في الحوائج .
وقال السدي : هو المقصود إليه في الرغائب ، المستغاث به عند المصائب ، تقول العرب : صمدت فلاناً أصمده صمداً -بسكون الميم- إذا قصدته ، والمقصود : صمد ، بفتح الميم .
وقال قتادة : الصمد : الباقي بعد فناء خلقه .
وقال عكرمة : الصمد : الذي ليس فوقه أحد ، وهو قول علي .
{ اللَّهُ الصَّمَدُ } أي : المقصود في جميع الحوائج . فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار ، يسألونه حوائجهم ، ويرغبون إليه في مهماتهم ؛ لأنه الكامل في أوصافه ، العليم الذي قد كمل في علمه ، الحليم الذي قد كمل في حلمه ، الرحيم الذي [ كمل في رحمته الذي ] وسعت رحمته كل شيء ، وهكذا سائر أوصافه .
وقوله - سبحانه - { الله الصمد } أي : الله - تعالى - هو الذى يَصْمدُ إليه الخلق فى حوائجهم ، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب . . مأخوذ من قولهم : صمد فلان إلى فلان . بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة .
قال صاحب الكشاف : والصمد فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو - سبحانه - المصمود إليه فى الحوائج ، والمعنى : هو الله الذى تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض ، وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإِلهية لا يشارك فيها ، وهو الذى يصمد إليه كل مخلوق ، لا يستغنون عنه ، وهو الغنى عنهم . .
وجاء لفظ " الصمد " محلى بأل ، لإِفادة الحصر فى الواقع ونفس الأمر ، فإن قصد الخلق إليه - سبحانه - فى الحوائج ، أعم من القصد الإِرادى ، والقصد الطبيعى ، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى ، الثابت لجميع المخلوقات ؛ إذ الكل متجه إليه - تعالى - طوعا وكرها .
ومعنى أن الله أحد : أنه الصمد . وأنه لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . . ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات لزيادة التقرير والإيضاح :
( الله الصمد ) . . ومعنى الصمد اللغوي : السيد المقصود الذي لا يقضى أمر إلا بإذنه . والله - سبحانه - هو السيد الذي لا سيد غيره ، فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد . وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات . وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه . . وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد .
وقوله : { اللّهُ الصّمَدُ } يقول تعالى ذكره : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له الصمدُ .
واختلف أهل التأويل في معنى الصمد ، فقال بعضهم : هو الذي ليس بأجوف ، ولا يأكل ولا يشرب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن سلمة بن سابور ، عن عطية ، عن ابن عباس ، قال : الصمد : الذي ليس بأجوف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الصمد : المُصْمَت الذي لا جوف له .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثلَه سواء .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الصمد : المُصْمَت الذي ليس له جوف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ووكيع ، قالا : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الصمد : الذي لا جوف له .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران جميعا ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثلَه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا الربيع بن مسلم ، عن الحسن ، قال : الصّمَدُ : الذي لا جوف له .
قال : ثنا الربيع بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جُبير أسأله عن الصمد ، فقال : الذي لا جوف له .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبيّ ، قال : الصمدُ الذي لا يَطْعَم الطعام .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبيّ أنه قال : الصّمَدُ : الذي لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب .
حدثنا أبو كُرَيب وابن بشار ، قالا : حدثنا وكيع ، عن سلمة بن نُبَيط ، عن الضحاك ، قال : الصمدُ : الذي لا جوف له .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن إسماعيل ، عن عامر ، قال : الصمدُ : الذي لا يأكل الطعام .
حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم ، قالا : حدثنا ابن داود ، عن المستقيم بن عبد الملك ، عن سعيد بن المسيب قال : الصمدُ : الذي لا حِشوة له .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : الصمدُ : الذي لا جوف له .
حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا محمد بن رومي ، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش ، قال : ثني صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : لا أعلمه إلاّ قد رَفَعه ، قال : الصّمَد الذي لا جوف له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن الربيع بن مسلم ، قال : سمعت الحسن يقول : الصّمَدُ : الذي لا جوف له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرِمة ، قال : الصمدُ : الذي لا جوف له .
وقال آخرون : هو الذي لا يخرج منه شيء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت عِكْرِمة ، قال في قوله : الصّمَدُ : الذي لم يخرج منه شيء ، ولم يَلِد ، ولم يُولَد .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء محمد بن يوسف ، عن عكرِمة قال : الصمدُ : الذي لا يخرج منه شيء .
وقال آخرون : هو الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : الصّمَدُ : الذي لم يلد ولم يولد ؛ لأنه ليس شيء يلد إلاّ سيورث ، ولا شيء يولد إلاّ سيموت ، فأخبرهم تعالى ذكره أنه لا يُورث ولا يموت .
حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خِداش قالا : حدثنا أبو سعيد الصّنْعانيّ ، قال : قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم : أنسُب لنا ربك ، فأنزل الله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ } لأنه ليس شيء يولد إلاّ سيموت ، وليس شيء يموت إلاّ سيُورث ، وإن الله جلّ ثناؤه لا يموت ولا يورث ، { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ } : ولم يكن له شبيه ولا عدل ، وليس كمثله شيء .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب : الصّمَد : الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .
وقال آخرون : هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : الصّمَدُ : هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه .
حدثنا أبو كريب وابن بشار وابن عبد الأعلى ، قالوا : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : الصّمد : السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه ، ولم يقل أبو كُرَيب وابن عبد الأعلى سُؤدَدُه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل مثله .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { الصّمَدُ } يقول : السيد الذي قد كمل في سُؤدَدِه ، والشريف الذي قد كمُل في شرفه ، والعظيم الذي قد عظُم في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والغنيّ الذي قد كمل في غناه ، والجبّار الذي قد كمل في جبروته ، والعالم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسّؤدَد ، وهو الله سبحانه هذه صفته ، لا تنبغي إلاّ له .
وقال آخرون : بل هو الباقي الذي لا يفنَى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهَ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } قال : كان الحسن وقتادة يقولان : الباقي بعد خلقه ، قال : هذه سورة خالصة ، ليس فيها ذكر شيء من أمر الدنيا والآخرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : الصّمَدُ : الدائم .
قال أبو جعفر : الصّمَدُ عند العرب : هو السيد الذي يُصْمَدُ إليه ، الذي لا أحد فوقه ، وكذلك تسمي أشرافَها ، ومنه قول الشاعر :
ألا بَكَرَ النّاعي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْ *** بعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وبالسّيّدِ الصّمَدْ
*** وَلا رَهِينَةَ إلاّ سَيّدٌ صَمَدُ ***
فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة ، المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ولو كان حديث ابن بُريدة ، عن أبيه صحيحا ، كان أولى الأقوال بالصحة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما عَنى الله جلّ ثناؤه ، وبما أنْزل عليه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ الله الصمد } ... يقال : الصمد: السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم ، وبالإقرار والخضوع ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { اللّهُ الصّمَدُ } يقول تعالى ذكره : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له الصمدُ .
واختلف أهل التأويل في معنى "الصمد" ؛
فقال بعضهم : هو الذي ليس بأجوف ، ولا يأكل ولا يشرب ...
وقال آخرون : هو الذي لا يخرج منه شيء ...
وقال آخرون : هو الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ...
وقال آخرون : هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه ...
وقال آخرون : بل هو الباقي الذي لا يفنَى ...
الصّمَدُ عند العرب : هو السيد الذي يُصْمَدُ إليه ، الذي لا أحد فوقه ، وكذلك تسمي أشرافَها ...
فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة ، المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى : { الله الصمد } قد ذكر أنه أحد ، وذكر أنه الصمد في تحقيق ما وصف من الأحدية ، وهو ، والله أعلم ، أنه أخرج جميع من سواه حتى تحقق قصد جميع من سواه بالحاجات إليه بالكون في الخلقة ، وفي الصلاح بعد الكون ، وفي الذي به الدوام بعد الوجود ، والوجود بعد العدم ، ما احتمل الوجود دونه ، ولا البقاء إلا به ، أحاطت الحاجات بكل ليكون له الغنى عن الكل في الوجود والبقاء ليتحقق أنه الموجود بذاته، والباقي بذاته والمتعالي بذاته عن معنى وجود غيره ، سبحانه ، وهو ما ذكرنا من عجز الألسن عن البيان عنه بالعبارة إلا على التقريب إلى الأفهام بالمجعول من آثار هوية ألوهيته في جميع الأنام .
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
الصمد : الغني المحتاج إليه غيره ، وهذا دليل على أن الله تعالى [ أحدي ] الذات وواحد ؛ لأنه لو كان له شريك في ملكه لما كان صمدا غنيا يحتاج إليه غيره ؛ بل كان هو أيضا يحتاج إلى شريكه في المشاركة والتثنية ، ولو كان له أجزاء تركيب واحد لما كان صمدا يحتاج إليه غيره ؛ بل هو محتاج في قوامه ووجوده إلى أجزاء تركيبه وحده ، فالصمد دليل على الواحدية والأحدية .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
و { الصمد } فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج . والمعنى : هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السموات والأرض وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ، ولا يستغنون عنه ، وهو الغني عنهم ....
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و{ الصمد } في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ، ويستقل بها ، .... وبهذا تفسر هذه الآية ؛ لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات ، وإليه تصمد ، وبه قوامها ، ولا َغِنَّي بنفسه إلا هو تبارك وتعالى. ...
يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله ، وإذا كان الصمد مفسرا بالمصمود إليه في الحوائج ، أو بما لا يقبل التغير في ذاته لزم أن لا يكون في الوجود موجود هكذا سوى الله تعالى ، فهذه الآية تدل على أنه لا إله سوى الواحد ، فقوله : { الله أحد } إشارة إلى كونه واحدا ، بمعنى أنه ليس في ذاته تركيب ولا تأليف بوجه من الوجوه ، وقوله : { الله الصمد } إشارة إلى كونه واحدا ، بمعنى نفي الشركاء والأنداد والأضداد .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ الله } أي الذي ثبتت إلهيته وأحديته ، لا غيره ، { الصمد } الذي تناهى سؤدده المطلق في كل شيء إلى حد تنقطع دونه الآمال ، فكان بحيث لا يحتاج إلى شيء ، وكل شيء إليه محتاج .....قال الإقليشي : فعلى هذا- أي أنه الذي يلجأ إليه ويعتمد عليه لتناهي سؤدده - يتشعب من صفة الصمد صفات السؤدد كلها ، من الجود ، والحلم وغير ذلك ، وإذا قلنا : إن الصمد العالي تشعبت منه صفات التعالي كلها من العزة والقهر والعلو ونحوها .... والأحد الذي لا نظير له . فاسمه الصمد يتضمن اتصافه بصفات الكمال ونفي النقائص عنه ، واسمه الأحد يتضمن أنه لا مثل له ....