محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

{ الله الصمد } أي الذي يصمد إليه في الحوائج ، ويقصد إليه في الرغائب ؛ إذ ينتهي إليه منتهى السؤدد ، قاله الغزالي في ( المقصد الأسنى ) ، وهكذا قال ابن جرير{[7582]} : الصمد عند العرب هو السيد الذي يصمد إليه ، الذي لا أحد فوقه ، وكذلك تسمي أشرافها ، ومنه قول الشاعر {[7583]} :

ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

قال الشهاب : فهو ( فعل ) بمعنى مفعول ، وصمد بمعنى قصد ، فيتعدى بنفسه ، وباللام ، وإلى . وقال ابن تيمية رحمه الله : وفي الصمد للسلف أقوال متعددة ، قد يظن أنها مختلفة ، وليست كذلك ؛ بل كلها صواب ، والمشهور منها قولان :

أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له .

والثاني : أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج .

والأول : هو قول أكثر السلف من الصاحبة والتابعين وطائفة من أهل اللغة .

والثاني : قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين .

ثم توسع رحمه الله في مأخذ ذلك واشتقاقه والمأثور فيه إلى أن قال :

وإنما أدخل اللام في { الصمد } ولم يدخلها في { أحد } ؛ لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحدا في الإثبات مفردا غير مضاف ، ولم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده ، وإنما يستعمل في غير الله في النفي ، وفي الإضافة ، وفي العدد المطلق ، وأما اسم الصمد فقد استعمله أهل اللغة في حق المخلوقين كما تقدم ، فلم يقل : صمد ؛ بل قال { الله الصمد } ، فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه ، فإنه المستوجب لغايته على الكمال ، والمخلوق وإن كان صمدا من بعض الوجوه فإن حقيقته الصمدية منتفية عنه ، فإنه يقبل التفرق والتجزئة ، وهو أيضا محتاج إلى غيره ، فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه ، فليس أحد يصمد إليه كل شيء ، ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله ، وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يتجزأ ويتفرق وينقسم وينفصل بعضه من بعض ، والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك ؛ بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة ، لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه ، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه .

وقال أبو السعود : وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل من استحقاق الألوهية ، وتعرية الجملة عن العاطف ؛ لأنها كالنتيجة للأولى ، بين أولا ألوهيته عز وجل المستتبعة لكافة نعوت الكمال ، ثم أحديته الموجبة تنزهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجه من الوجوه ، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها ، ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتي عما سواه ، وافتقار جميع المخلوقات إليه في وجودها وبقائها وسائر أحوالها تحقيقا للحق ، وإرشادا لهم إلى سننه الواضح .


[7582]:انظر الصفحة رقم 347 من الجزء الثلاثين (طبعة الحلبي الثانية).
[7583]:استشهد به في اللسان بالصفحة رقم 258 من المجلد الثالث (طبعة بيروت).