مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

{ الله الصمد } هو فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده ، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج .

والمعنى هو الله الذي تعرفونه ، وتقرون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم ، وهو واحد لا شريك له ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ، ولا يستغنون عنه ، وهو الغني عنهم { لَمْ يَلِدْ } لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ، وقد دل على هذا المعنى بقوله : { أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة } [ الأنعام : 101 ] ، { وَلَمْ يُولَدْ } لأن كل مولود محدث وجسم ، وهو قديم لا أول لوجوده ؛ إذ لو لم يكن قديماً لكان حادثاً لعدم الواسطة بينهما ، ولو كان حادثاً لافتقر إلى محدث ، وكذا الثاني والثالث فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل . وليس بجسم ؛ لأنه اسم للمتركب ، ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال ، فيكون كل جزء إلهاً ، فيفسد القول به كما فسد بإلهين ، أو غير متصف بها ؛ بل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ولم يكافئه أحد أي لم يماثله .

سألوه أن يصفه لهم فأوحى إليه ما يحتوي على صفاته تعالى ، فقوله : { هُوَ الله } إشارة إلى أنه خالق الأشياء وفاطرها ، وفي طي ذلك وصفه بأنه قادر عالم ؛ لأن الخلق يستدعي القدرة والعلم لكونه واقعاً على غاية إحكام واتساق وانتظام ، وفي ذلك وصفه بأنه حي ؛ لأن المتصف بالقدرة والعلم لا بد وأن يكون حياً ، وفي ذلك وصفه بأنه سميع بصير مريد متكلم إلى غير ذلك من صفات الكمال ؛ إذ لو لم يكن موصوفاً بها لكان موصوفاً بأضدادها ، وهي نقائص ؛ وذا من أمارات الحدوث ، فيستحيل اتصاف القديم بها ، وقوله : { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشريك ، وبأنه المتفرد بإيجاد المعدومات ، والمتوحد بعلم الخفيات ، وقوله : { الصمد } وصف بأنه ليس إلا محتاجاً إليه ، وإذا لم يكن إلا محتاجاً إليه فهو غني لا يحتاج إلى أحد ، ويحتاج إليه كل أحد .