لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

{ الله الصمد } قال ابن عباس : الصمد الذي لا جوف له ، وبه قال جماعة من المفسرين ، ووجه ذلك من حيث اللّغة أن الصّمد الشيء المصمد الصّلب الذي ليس فيه رطوبة ، ولا رخاوة ، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد . فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام ، ويتعالى الله جلّ وعزّ عن صفات الجسمية ، وقيل : وجه هذا القول إن الصمد الذي ليس بأجوف ، معناه هو الذي لا يأكل ، ولا يشرب ، وهو الغني عن كل شيء ، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال ، والقصد بقوله : { الله الصّمد } التّنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام } [ المائدة : 75 ] ، وقيل : الصّمد الذي ليس بأجوف : شيئان أحدهما دون الإنسان ، وهو سائر الجمادات الصّلبة ، والثاني أشرف من الإنسان وأعلى منه ، وهو البارئ جل وعز .

وقال أبي بن كعب : الصمد الذي لم يلد ، ولم يولد ؛ لأن من يولد سيموت ، ومن يموت يورث منه .

وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : الصّمد هو السّيد الذي انتهى سؤدده ، وهي رواية عن ابن عباس ، أيضاً قال : هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد ، وقيل : هو السيد المقصود في جميع الحوائج ، المرغوب إليه في الرغائب ، المستعان به عند المصائب وتفريج الكرب . وقيل : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، وتلك دالة على أنه المتناهي في السؤدد والشرف ، والعلو والعظمة ، والكمال والكرم والإحسان .

وقيل : الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه ، وقيل : الصمد الذي ليس فوقه أحد ، وهو قول علي ، وقيل : هو الذي لا تعتريه الآفات ، ولا تغيره الأوقات . وقيل : هو الذي لا عيب فيه ، وقيل : الصمد هو الأول الذي ليس له زوال ، والآخر الذي ليس لملكه انتقال . والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه ؛ لأنه محتمل له ، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء ، وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به ، له الأسماء الحسنى ، والصّفات العليا { ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير } [ الشورى : 11 ] .