فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

{ الله الصمد } الاسم الشريف مبتدأ ، والصمد خبره ، والصمد هو الذي يصمد إليه في الحاجات ، أي يقصد لكونه قادرا على قضائها ، فهو فعل بمعنى مفعول ، كالقبض بمعنى المقبوض ؛ لأنه مصمود إليه ، أي مقصود إليه .

قال الزجاج : الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد ، فلا سيد فوقه ، وقيل : معنى الصمد : الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزول ، وقيل : معنى الصمد ما ذكر بعده ، من أنه الذي لم يلد ولم يولد ، وقيل : هو المستغني عن كل أحد ، والمحتاج إليه كل أحد ، وقيل : هو المقصود في الرغائب ، والمستعان به في المصائب ، وهذان القولان يرجعان إلى معنى القول الأول ، وقيل : هو الذي يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وقيل : هو الكامل الذي لا عيب فيه .

وقال الحسن وعكرمة والضحاك وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله بن بريدة وعطاء وعطية العوفي والسدي : { الصمد } هو المصمت الذي لا جوف له ، وهذا لا ينافي القول الأول ، لجواز أن يكون هذا أصل معنى الصمد ، ثم استعمل في السيد المصمود إليه في الحوائج ، ولهذا أطبق على القول الأول أهل اللغة وجمهور أهل التفسير .

وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل عن استحقاق الألوهية ، وحذف العاطف من هذه الجملة ؛ لأنها كالنتيجة للجملة الأولى .

وقيل : إن الصمد صفة للاسم الشريف ، والخبر هو ما بعده ، والأول أولى ؛ لأن السياق يقتضي استقلال كل جملة .

وعن بريد قال : { الصمد } الذي لا جوف له ، وروي عنه مرفوعا ، ولا يصح رفعه ، وعن ابن مسعود مثله ، وفي لفظ : ليس له أحشاء ، وعن ابن عباس مثله ، وعنه قال : الصمد الذي لا يطعم ، وهو المصمت ، وقد روي عنه أنه الذي يصمد إليه في الحوائج ، وفي لفظ : الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده ، الشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والغني الذي قد كمل في غناه ، والجبار الذي قد كمل في جبروته ، والعالم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه ، هذه صفة لا تنبغي إلا له ، ليس له كفء ، وليس كمثله شيء .

وعن ابن مسعود قال : الصمد وهو السيد الذي قد انتهى سؤدده ، فلا شيء أسود منه .

وعن ابن عباس قال : الصمد الذي تصمد إليه الأشياء إذا نزل بهم كربة أو بلاء .