غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

1

وأما " الصمد " فقيل : إنّه فعل بمعنى " مفعول " من صمده إذا قصده ، أي هو السيد المقصود إليه في الحوائج كما مرّ في الحديث الوارد في سبب النزول . وقيل : هو الذي لا جوف له ، ومنه قولهم لسداد القارورة : " صماد " ، وشيء مصمد أي صلب ليس فيه رخاوة . قال ابن قتيبة : يجوز على هذا التفسير أن تكون الدال بدل التاء في " مصمت " . وقال بعض المتأخرين من أهل اللغة : الصمد هو الأملس من الحجر ، لا يقبل الغبار ، ولا يدخله شيء ، ولا يخرج منه شيء . ولا يخفى أن هذين المعنيين من صفات الأجسام حقيقة إلا أن مقدّمة الآية وهي { الله أحد } تمنع من حملهما على حقيقتهما ؛ لأن كل جسم مركب ، فوجب الحمل على المجاز ، وهو أنه لوجوب ذاته ممتنع التغير في وجوده وبقائه وسائر صفاته ، ومن هنا اختلفت عبارات المفسرين :

فعن بعضهم : الصمد هو العالم بجميع المعلومات ؛ لأن كونه مبدأ مرجوعاً إليه في قضاء الحاجات ، لا يتم إلا بذلك .

وعن ابن مسعود والضحاك : هو السيد الذي انتهى سودده .

وقال الأصم : هو الخلق للأشياء ؛ لأن السيد الحقيقي هو هو .

وقال السدي : هو المقصود في الرغائب ، المستغاث عند المصائب .

وقال الحسن بن الفضل : هو الذي يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .

وقال قتادة : لا يأكل ولا يشرب ، وهو يطعم ولا يطعم .

وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه يغلب ولا يغلب .

وسائر عباراتهم كلها متقاربة ، تدور حول ما ذكرنا .

سؤال : لما جاء الخبر هاهنا معرفاً وفي قوله { الله أحد } منكراً ؟ الجواب ؛ لأنه كان معلوماً عندهم أنه غني على الإطلاق ، ومرجوع إليه في الحوائج { فإذا مس الإنسان ضرُّ دعا ربه } [ الزمر :8 ] ، أما التوحيد فلم يكن ثابتاً في أوهامهم ؛ بل ركز في أوهام العامة أن كل موجود فإنه محسوس ، وكل محسوس فهو منقسم ، فلا جرم جاء لفظ { أحد } منكراً ، ولفظ { الصمد } معرفاً .

آخر : لم مكرر ثانياً اسم الله ولم يقتصر على ضميره ؟ الجواب لما قيل :

هو المسك ما كررته يتضوّع *** . . . . . . . .

ولأنه قد سبق ضمير الشأن ، ولأنه يلزم الاشتراك ، ولما مر أن الإشارة بلفظة " هو " مرتبة الصديقين ، والخطاب بقوله { الله الصمد } لعموم الخلائق ، والسابقون منهم قليل ، فاعتبار الأغلب أولى .

/خ4