إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

وقولُهُ تعالَى : { الله الصمد } مبتدأٌ وخبر ، والصمدُ فَعَلٌ بمَعْنَى مفعولٍ ، منْ يُصمدُ إليهِ إذَا قَصَدَهُ ، أيْ هُوَ السيدُ المصمودُ إليهِ في الحوائجِ ، المُسْتغني بذاتِهِ ، وَكُلَّ ما عداهُ محتاجٌ إليهِ في جميعِ جهاتِهِ . وقيلَ : الصمدُ الدائمُ الباقِي الذي لَمْ يزلْ وَلاَ يزالُ ، وقيلَ : الذي يفعلُ مَا يشاءُ ، ويَحكمُ مَا يريدُ ، وتعريفُهُ لعلمِهِم بصمديتِهِ ، بخلافِ أحديَتِهِ ، وتكريرُ الاسمِ الجليلِ للإشعارِ بأنَّ منْ لم يتصفْ بذلكَ فهوَ بمعزلٍ منَ استحقاقِ الألوهيةِ ، وتعريةُ الجملةِ عنِ العاطفِ ؛ لأنَّها كالنتيجةِ للأولى بيَّنَ أولاً ألوهيَتَهُ عزَّ وجلَّ المستتبعةَ لكافةِ نعوتِ الكمالِ ، ثمَّ أحديتَهُ الموجبةَ تنزهَّهُ عنْ شائبةِ التعددِ والتركيبِ بوجهٍ منَ الوجوهِ ، وتوهمِ المشاركةِ في الحقيقةِ وخواصِّهَا ، ثُمَّ صمديتَهُ المقتضيةَ لاستغنائِهِ الذاتِيِّ عَمَّا سواهُ ، وافتقارِ جميعِ المخلوقاتِ إليهِ في وجودِهَا وبقائِهَا وسائرِ أحوالِهَا تحقيقاً للحقِّ ، وإرشاداً لهُم إلى سننهِ الواضحِ ، ثُمَّ صرحَ ببعضِ أحكامٍ جزئيةٍ مندرجةٍ تحتَ الأحكامِ السابقةِ فقيلَ { لَمْ يَلِدْ } .