قوله تعالى :{ ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له } أي : فيما أحل الله له ، { سنة الله } أي : كسنة الله ، نصب بنزع الخافض ، وقيل : نصب على الإغراء ، أي : الزموا سنة الله ، { في الذين خلوا من قبل } أي : في الأنبياء الماضيين أن لا يؤاخذهم بما أحل لهم . قال الكلبي ، ومقاتل : أراد داود حين جمع بينه وبين المرأة التي هو هويها فكذلك جمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين زينب . وقيل : أشار بالسنة إلى النكاح فإنه من سنة الأنبياء عليهم السلام . وقيل : إلى كثرة الأزواج مثل داود وسليمان عليهما السلام . { وكان أمر الله قدراً مقدوراً } قضاءً مقضياً كائناً ماضياً .
{ 38 - 39 ْ } { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ْ }
هذا دفع لطعن من طعن في الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، في كثرة أزواجه ، وأنه طعن ، بما لا مطعن فيه ، فقال : { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ ْ } أي : إثم وذنب . { فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ْ } أي : قدر له من الزوجات ، فإن هذا ، قد أباحه اللّه للأنبياء قبله ، ولهذا قال : { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ْ } أي : لا بد من وقوعه .
وبعد أن بين - سبحانه - الحكمة من زواج النبى صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش ، التى كانت قبل ذلك زوجة لزيد بن حارثة - الذى كان الرسول قد تبناه وأعتقه - بعد كل ذلك أخذت السورة الكريمة فى تقرير هذه الحكمة وتأكيدها ، وإزالة كل ما علق بالأذهان بشأنها ، فقال - تعالى - : { مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ . . . } .
أى : ما كان على النبى صلى الله عليه وسلم من حرج أو لوم أو مؤاخذة ، فى فعل ما أحله الله له ، وقدره عليه ، وأمره به من زواجه بزينب بعد أن طلقها ابنه بالتبنى زيد بن حارثة فقوله : { فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ } أى : فيما قسمه له ، وقدره عليه ، مأخوذ من قولهم : فرض فلان لفلان كذا ، أى : قدر له هذا الشئ وجعله حلالا له .
وقوله - تعالى - : { سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً } زيادة فى تأكيد هذه الحكمة ، وفى تقرير صحة ما فرضه الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم .
أى : ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من زواجه بزينب بعد طلاقها من زيد ، قد جعله الله - تعالى - سنة من سننه فى الأمم الماضية ، وكان أمر الله - تعالى - قدرا مقدورا . أى : واقعا لا محالة .
والقدر : إيجاد الله - تعالى - على قَدْرِ مخصوص حسبما تقتضى حكمته .
ويقابله القضاء : وهو الإِرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هى عليه . وقد يستعمل كل منهما بمعنى الآخر . والأظهر أن قدر الله - تعالى - هنا بمعنى قضائه .
ولفظ { مَّقْدُوراً } وصف جئ به للتأكيد ، كما فى قولهم : ظل ظليل ، وليل أليل ،
القول في تأويل قوله تعالى : { مّا كَانَ عَلَى النّبِيّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللّهُ لَهُ سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَراً مّقْدُوراً } .
يقول تعالى ذكره : ما كان على النبيّ من حرج من إثم فيما أحلّ الله له من نكاح امرأة من تَبَنّاه بعد فراقه إياها ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ما كانَ على النّبِيّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ للّهُ لَهُ : أي أحلّ الله له .
وقوله : سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِ يقول : لم يكن الله تعالى لُيؤْثِم نبيه فيما أحلّ له مثالَ فعله بمن قبله من الرسل الذين مضوا قبله في أنه لم يؤثمهم بما أحلّ لهم ، لم يكن لنبيه أن يخشى الناس فيما أمره به أو أحله له . ونصب قوله : سُنّةَ اللّهِ على معنى : حقا من الله ، كأنه قال : فعلنا ذلك سَنّةً منا .
وقوله : وكانَ أمْرُ اللّهِ قَدَرا مَقْدُورا يقول : وكان أمر الله قضاء مقضيا . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكانَ أمْرُ اللّهِ قَدَرا مَقْدُورا إن الله كان علمه معه قبل أن يخلق الأشياء كلها ، فأتمه في علمه أن يخلق خلقا ، ويأمرهم وينهاهم ، ويجعل ثوابا لأهل طاعته ، وعقابا لأهل معصيته فلما ائتمر ذلك الأمر قدّره ، فلما قدّره كتب وغاب عليه ، فسماه الغيب وأمّ الكتاب ، وخلق الخلق على ذلك الكتاب أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم ، وما يصيبهم من الأشياء من الرخاء والشدّة من الكتاب الذي كتبه أنه يصيبهم وقرأ : أُولَئِكَ يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حتّى إذَا نَفِدَ ذَلكَ جَاءَتْهُمْ رُسُلَنا يَتَوَفّوْنَهُمْ ، وأمر الله الذي ائتمر قدره حين قدره مقدرا ، فلا يكون إلا ما في ذلك ، وما في ذلك الكتاب ، وفي ذلك التقدير ، ائتمر أمرا ثم قدره ، ثم خلق عليه ، فقال : كان أمر الله الذي مضى وفرغ منه ، وخلق عليه الخلق قَدَرا مَقْدُورا شاء أمرا ليمضي به أمره وقدره ، وشاء أمرا يرضاه من عباده في طاعته فلما أن كان الذي شاء من طاعته لعباده رضيه لهم ، ولما أن كان الذي شاء أراد أن ينفذ فيه أمره وتدبيره وقدره ، وقرأ : وَلَقَدْ ذَرأْنا لِجَهَنّمَ كَثِيرا مِنَ الجِنّ وَالإنْسِ فشاء أن يكون هؤلاء من أهل النار ، وشاء أن تكون أعمالهم أعمال أهل النار ، فقال : وكَذلكَ زَيّنا لِكُلّ أُمّةٍ عَمَلَهُمْ وقال : وكذلكَ زَيّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ هَذِهِ أعمالُ أهْلُ النّار وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما فَعَلُوهُ ، قال : وكَذلكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّا شَياطِينَ . . . إلى قوله : وَلَوْ شاءَ رَبّكَ ما فَعَلُوهُ وقرأ : وأقْسَمُوا باللّهِ جَهْدَ أيمانِهِمْ . . . إلى كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ أن يؤمنوا بذلك ، قال : فأخرجوه من اسمه الذي تسمّى به ، قال : هو الفعّال لما يريد ، فزعموا أنه ما أراد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.