التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا} (38)

وبعد أن بين - سبحانه - الحكمة من زواج النبى صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش ، التى كانت قبل ذلك زوجة لزيد بن حارثة - الذى كان الرسول قد تبناه وأعتقه - بعد كل ذلك أخذت السورة الكريمة فى تقرير هذه الحكمة وتأكيدها ، وإزالة كل ما علق بالأذهان بشأنها ، فقال - تعالى - : { مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ . . . } .

أى : ما كان على النبى صلى الله عليه وسلم من حرج أو لوم أو مؤاخذة ، فى فعل ما أحله الله له ، وقدره عليه ، وأمره به من زواجه بزينب بعد أن طلقها ابنه بالتبنى زيد بن حارثة فقوله : { فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ } أى : فيما قسمه له ، وقدره عليه ، مأخوذ من قولهم : فرض فلان لفلان كذا ، أى : قدر له هذا الشئ وجعله حلالا له .

وقوله - تعالى - : { سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً } زيادة فى تأكيد هذه الحكمة ، وفى تقرير صحة ما فرضه الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم .

أى : ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من زواجه بزينب بعد طلاقها من زيد ، قد جعله الله - تعالى - سنة من سننه فى الأمم الماضية ، وكان أمر الله - تعالى - قدرا مقدورا . أى : واقعا لا محالة .

والقدر : إيجاد الله - تعالى - على قَدْرِ مخصوص حسبما تقتضى حكمته .

ويقابله القضاء : وهو الإِرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هى عليه . وقد يستعمل كل منهما بمعنى الآخر . والأظهر أن قدر الله - تعالى - هنا بمعنى قضائه .

ولفظ { مَّقْدُوراً } وصف جئ به للتأكيد ، كما فى قولهم : ظل ظليل ، وليل أليل ،