اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا} (38)

قوله : { مَا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ } أي فيما أحل الله له .

قوله : «سُنَّةَ اللَّهِ » منصوب على المصدر{[43614]} ك { صُنْعَ الله } [ النمل : 88 ] و { وَعْدُ الله } [ الزمر : 20 ] أو اسم وضع موضع{[43615]} المصدر أو منصوب «بِجَعَلَ » أبو بالإِغراء أي فعليه سنة الله ، قاله{[43616]} ابن عطية ورده أبو حيان بأن عامل الإغراء لا يحذف ، وبأن فيه إغراء الغائب وما ورد منه مؤول على نُدُوره نحو : «عَلَيْهِ رَجُلاً لَيْسَني »{[43617]} . قال شهاب الدين : وقد{[43618]} ورد قوله عليه السلام : «وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ »{[43619]} فقيل : هو إغراء ، وقيل : ليس به وإنما هو مبتدأ وخبر ، والباء زائدة في المبتدأ وهو تخريج فاسد المعنى ، لأن الصوم ليس واجباً على ذلك . وقال البغوي : نصب{[43620]} بنزع الخافض أي كَسُنَّةِ اللَّهِ .

فصل :

المراد بسنة الله في الذين خلوا من قبل أي في الأنبياء الماضين أن لا يؤاخذهم بما أحل لهم ، قال الكلبي ومقاتل{[43621]} : أراد داود حين جمع بينه وبين المرأة التي هَوِيَهَا فكذلك جمع بين محمد وبين زينب ، وقيل أراد بالسنة النكاح ، فإنه من سنة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - { وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً } مقضيّاً كائناً ماضياً . واعلم أن في قوله أولاً : { وكان أمر الله مفعولاً } ، وقوله ثانياً : { وَكَانَ أَمْرُ الله قدراً مقدوراً } لطيفة وهي أن الله تعالى لما قال : «زَوَّجْنَاكَهَا » قال : { وكان أمر الله مفعولاً } ، أي تزويجنا زينب إياك كان مقصوداً شرعياً مَقْضِيّاً مُرَاعىً ، ولما قال : { سنة الله في الذين خلوا } أشار إلى قصة داود حين افتتن بامرأة «أوريا » قال : { وكان أمر الله قدراً مقدوراً } أي كان ذلك حكماً تبعياً{[43622]} .


[43614]:قاله في المشكل 2/198 والسمين في الدر 4/391.
[43615]:قاله الزمخشري في الكشاف 3/264.
[43616]:ذكره أبو حيان في البحر 7/236.
[43617]:المرجع السابق ويقصد أبو حيان أن الإغراء لا يكون إلا للمخاطب وأما ما ورد من قولهم: " عليه رجلاً" فمؤول أي ليلزم رجلاً غيري. انظر: ابن يعيش 2/29، والأشموني 3/192 والتصريح 2/195.
[43618]:الدر المصون 4/391.
[43619]:أورده الإمام البخاري في صحيحه كتاب النكاح 2/158.
[43620]:قاله في معالم التنزيل 5/264 وقال: "وقيل نصب على الإغراء".
[43621]:المرجع السابق. وانظر: زاد المسير 6/392.
[43622]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/213.