ثم أوعده فقال :{ سنسمه على الخرطوم } و { الخرطوم } : الأنف . قال أبو العالية ومجاهد : أي نسود وجهه ، فنجعل له علماً في الآخرة يعرف به ، وهو سواد الوجه . قال الفراء : خص الخرطوم بالسمة ، فإنه في مذهب الوجه ، لأن بعض الشيء يعبر به عن كله . وقال ابن عباس : سنخطمه بالسيف ، وقد فعل ذلك يوم بدر . وقال قتادة : سنلحق به شيئاً لا يفارقه . تقول العرب للرجل سب الرجل سبة قبيحة : قد وسمه ميسم سوء . يريد : ألصق به عاراً لا يفارقه ، كما أن السمة لا تنمحي ولا يعفو أثرها ، وقد ألحق الله بما ذكر من عيوبه عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة ، كالوسم على الخرطوم . وقال الضحاك والكسائي : سنكويه على وجهه .
وقوله : سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : سنخطمه بالسيف ، فنجعل ذلك علامة باقية ، وسمة ثابتة فيه ما عاش . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ فقاتل يوم بدر ، فخُطِم بالسيف في القتال .
وقال آخرون : بل معنى ذلك سنشينه شينا باقيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ } شَيْن لا يفارقه آخر ما عليه .
وقال آخرون : سيمَى على أنفه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة سَنَسِمُهُ على الخُرْطومِ قال : سنسمه على أنفه .
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك عندي ، قول من قال : معنى ذلك : سنبين أمره بيانا واضحا حتى يعرفوه ، فلا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخرطوم . وقال قتادة : معنى ذلك : شين لا يفارقه آخر ما عليه ، وقد يحتمل أيضا أن يكون خطم بالسيف ، فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف .
ويعني بقوله : سَنَسِمُهُ سنكويه . وقال بعضهم : معنى ذلك : سنسمه سِمَة أهل النار : أي سنسوّد وجهه . وقال : إن الخرطوم وإن كان خصّ بالسمة ، فإنه في مذهب الوجه ، لأن بعض الوجه يؤدّي عن بعض ، والعرب تقول : والله لأسمنك وسما لا يفارقك ، يريدون الأنف . قال : وأنشدني بعضهم :
لأُعَلِطَنّهُ وَسْما لا يُفارِقهُ *** كما يُحَزّ بِحَمْي المِيسَمِ النّجِزُ
وقوله تعالى : { سنسمه على الخرطوم } معناه على الأنف قاله المبرد ، وذلك أن { الخرطوم } يستعار في أنف الإنسان . وحقيقته في مخاطم السباع ، ولم يقع التوعد في هذه الآية ، بأن يوسم هذا الإنسان على أنفه بسمة حقيقة ، بل هذه عبارة عن فعل يشبه الوسم على الأنف . واختلف الناس في ذلك الفعل ، فقال ابن عباس : هو الضرب بالسيف ، أي يضرب في وجهه وعلى أنفه ، فيجيء ذلك الوسم على الأنف ، وحل ذلك به يوم بدر . وقال محمد بن يزيد المبرد : ذلك في عذاب الآخرة في جهنم ، وهو تعذيب بنار على أنوفهم . وقال آخرون ذلك في يوم القيامة ، أي يوسم على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره . وقال قتادة وغيره معناه : سنفعل به في الدنيا من الذم له والمقت والإشهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى به ، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتاً بيناً ، وهذا المعنى كما تقول : سأطوقك طوق الحمامة ، أي أثبت لك الأمر بيناً فيك ، ونحو هذا أراد جرير بقوله : [ الكامل ]
لما وضعت على الفرزدق ميسمي{[11246]} . . . وفي الوسم على الأنف تشويه ، فجاءت استعارته في المذمات بليغة جداً . وإذا تأملت حال أبي جهل ونظرائه وما ثبت لهم في الدنيا من سوء الأحدوثة ، رأيت أنهم قد وسموا على الخراطيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.