اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ} (16)

قوله : «سَنَسِمُهُ » . أي : نجعل له سمة ، أي : علامة يعرف بها .

قال جرير : [ الكامل ]

4818- لمَّا وضَعْتُ عَلى الفَرَزْدَقِ مِيسَمِي*** وعَلَى البَعيثِ جَدَعْتُ أنْفَ الأخْطَلِ{[57609]}

والخرطوم : الأنف ، وهو هنا عبارة عن الوجه كله من التعبير عن الكل بالجزء ؛ لأنه أظهر ما فيه وأعلاه ، والخرطوم أيضاً : الخمر ، وكأنه استعاره لها لأن الشنتمري قال : هي الخمر أول ما يخرج من الدَّن ؛ فجعلت كالأنف ، لأنه أول ما يبدو من الوجه ، فليست الخرطومُ الوجه مطلقاً ، ومن مجيء الخرطوم بمعنى الخمر ، قول علقمة بن عبدة : [ البسيط ]

4819 - قَدْ أشْهَدَ الشَّرْبَ فِيهِمْ مِزْهَرٌ رَنِمٌ*** والقَوْمُ تَصْرعُهُمْ صَهْبَاءُ خرْطُومُ{[57610]}

وأنشد نضر بن شميل : [ البسيط ]

4820 - تَظَلُّ يَومَكَ في لَهْوٍ وفِي طَرَبٍ***وأنْتَ باللَّيْلِ شَرَّابُ الخَراطِيمِ{[57611]}

فصل في تفسير «سنسمه »

قال ابن عباس : «سَنَسِمُهُ » سنحطمه بالسَّيفِ ، قال : وقد حطم الذي نزلت فيه يوم بدرِ بالسيف ، فلم يزل محطوماً إلى أن مات{[57612]} .

وقال قتادةُ : سنسمهُ يوم القيامة على أنفه سِمَةً يعرفُ بها{[57613]} ، يقال : وسمه وسماً وسمة إذا أثرت فيه بسمة وكيّ .

قال الضحاك : سنكويه على وجهه{[57614]} ، وقد قال الله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }[ آل عمران : 106 ] فهي علامة ظاهرة ، وقال تعالى : { وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً }[ طه : 102 ] وهذه علامة أخرى ظاهرة . وأفادت هذه الآية علامة ثالثة ، وهي الوسم على الأنف بالنار ، وهذا كقوله : { يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ }[ الرحمن : 41 ] .

قاله الكلبي وغيره وقال أبو العالية ومجاهدٌ : { سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم } أي على أنفه ، ويسودُّ وجهه في الآخرة ، فعرف بسواد وجهه{[57615]} .

قال القرطبيُّ{[57616]} : «والخرطوم : الأنف من الإنسان ، ومن السباع موضع الشفة ، وخراطيم القوم : سادتهم » .

قال الفراء : وإن كان الخرطومُ قد خُصَّ بالسِّمة فإنَّهُ في الوجه ، لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل .

وقال الطبريُّ : نبين أمره تبياناً واضحاً ، فلا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السِّمةُ على الخراطيم .

وقال : المعنى : سنلحق به عاراً وسبة حتى يكون كمن وسم على أنفه .

قال القتيبي : تقول العرب للرجل يُسَبُّ سبة سوءٍ قبيحة باقية ، قد وسم ميسم سوء ، أي : ألصق به عار لا يفارقه ، كما أن السمة لا يمحى أثرها .

وهذا كلهُ نزل في الوليد بن المغيرة ، ولا شك أنَّ المبالغة العظيمة في ذمه ، بقيت على وجه الأرض الدهر ، ولا يعلم أن اللَّه تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغ منه ، فألحق به عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة ، كالوسم على الخرطوم .

وقيل : ما ابتلاه اللَّهُ به في الدنيا في نفسه ؛ وأهله وماله من سوء ، وذل وصغار ، قاله ابن بحر .

وقال النضر بن شميل : المعنى سنحده على شرب الخمر ، والخرطوم : الخمر ، وجمعه : خراطيم ، وأنشد البيت المتقدم .

قال ابن الخطيب{[57617]} : «وهذا تعسفٌ » .


[57609]:ينظر ديوانه 335، والقرطبي 18/155 وروح المعاني 29/35، والدر المصون 6/354.
[57610]:ينظر ديوانه (113)، والبحر 8/300، والدر المصون 6/354.
[57611]:البيت للأعرج، ينظر القرطبي 18/155، والبحر 8/300 والدر المصون 6/354، وروح المعاني 29/26.
[57612]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/188) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/394) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.
[57613]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/188) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/394) وعزاه إلى عبد بن حميد وعبد الرزاق.
[57614]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/155).
[57615]:ينظر المصدر السابق.
[57616]:ينظر السابق.
[57617]:ينظر الفخر الرازي 30/77.