محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ} (16)

وقوله : { سنسمه على الخرطوم } عدة منه تعالى بغاية إذلاله بعد تناهي كبره وعجبه وزهوه وعتوه ، تقول العرب وسمته بميسم السوء ، يريدون أنه ألصق به من العار مالا يفارقه قال جرير : {[7199]}

لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل

قال الزمخشري : الوجه أكرم موضع في الجسد ، والأنف أكرم موضع من الوجه لتقدمه له ، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية ، واشتقوا منه ( الأنفة ) وقالوا الأنف في الأنف وحمى أنفه ، وفلان شامخ العرنين وقالوا في الذليل جدع أنفه ورغم أنفه ، فعبر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة ، لأن السمة على الوجه شين وإذالة فكيف بها على أكرم موضع منه ؟ ولقد وسم العباس أباعره في وجوهها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكرموا الوجوه " فوسمها في جواعرها . وفي لفظ { الخرطوم } استخفاف به واستهانة ، لأن أصل الخرطوم للخنزير والفيل ، وقيل سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوهة يبين بها عن سائر الكفرة ، كما عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة بان بها عنهم انتهى .

تنبيه : قيل عنى بالآية الأخنس بن شريق قال ابن جرير{[7200]} وأصله من ثقيف وعداده في بني زهرة أي لأنه التحق بهم حتى كان منهم في الجاهلية ، ولذا سمي زنيما للصوقه بالقوم وليس منهم ، وقيل هو الوليد بن المغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده .


[7199]:من قصيدته التي مطلعها: لمن الديار كأنها لم تحلل بين الكناس وبين طلح الأعزل الكناس ببلاد غنى، والأعزل لبني كلب وبه ماء يسمى الأعزل والطلح شجر من العضاء (شضرح ديوان جرير ص 442).
[7200]:انظر الصفحة رقم 23 من الجزء التاسع والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).