الأولى- قوله تعالى : " سنسمه " قال ابن عباس : معنى " سنسمه " سنخطمه بالسيف . قال : وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف ، فلم يزل مخطوما إلى أن مات . وقال قتادة : سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها ؛ يقال : وسمتُه وسْماً وسِمَة إذا أثرت فيه بسمة وكي . وقد قال تعالى : " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه{[15243]} " [ آل عمران : 106 ] فهذه علامة ظاهرة . وقال تعالى : " ونحشر المجرمين يومئذ زرقا{[15244]} " [ طه : 102 ] وهذه علامة أخرى ظاهرة . فأفادت هذه الآية علامة ثالثة ، وهي الوسم على الأنف بالنار ، وهذا كقوله تعالى : " يعرف المجرمون بسيماهم{[15245]} " [ الرحمن : 41 ] قاله الكلبي وغيره . وقال أبو العالية ومجاهد : " سنسمه على الخرطوم " أي على أنفه ، ونسود وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه . والخرطوم : الأنف من الإنسان . ومن السباع : موضع الشفة . وخراطيم القوم : ساداتهم . قال الفراء : وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة ، فإنه في معنى الوجه ؛ لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل . وقال الطبري : نبين أمره تبيانا واضحا حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخراطيم . وقيل : المعنى سنلحق به عارا وسبة حتى يكون كمن وسم على أنفه . قال القتبي : تقول العرب للرجل يسب سبة سوء قبيحة باقية : قد وُسِمَ مِيسَمَ سوء ، أي ألصق به عار لا يفارقه ، كما أن السمة لا يمحى أثرها . قال جرير :
لما وضعتُ على الفرزدق مِيسَمِي *** وعلى البَعِيثِ{[15246]} جَدَعْتُ أنْفَ الأخْطَلِ
أراد به الهجاء . قال : وهذا كله نزل في الوليد بن المغيرة . ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه منه ، فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة ، كالوسم على الخرطوم . وقيل : هو ما ابتلاه الله به في الدنيا في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار ، قاله ابن بحر . واستشهد بقول الأعشى :
فدعها وما يُغْنِيكَ واعمد لغيرها *** بشعرك واغْلُبْ{[15247]} أنفَ من أنت واسم
وقال النضر بن شميل : المعنى سنحده على شرب الخمر ، والخرطوم : الخمر ، وجمعه خراطيم ، قال الشاعر :
تَظَلُّ يومك في لهو وفي طرب *** وأنت بالليل شرَّاب الخراطيم
قال الراجز{[15248]} :
صهباءُ خرطوماً عقاراً قَرْقَفَا{[15249]}
أبا حاضرٍ من يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُه *** ومن يشرب الخرطوم يُصْبِحْ مُسْكِرَا
الثانية- قال ابن العربي : " كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديما عند الناس ، حتى أنه روي - كما تقدم - أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه{[15250]} ، وهذا وضع باطل . ومن الوسم الصحيح في الوجه : ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور ، علامة على قبح المعصية ، وتشديدا لمن يتعاطاها لغيره ممن يرجى تجنبه ، بما يرجى من عقوبة شاهد الزور وشهرته{[15251]} ، فقد كان عزيزا بقول الحق ، وقد صار مهينا بالمعصية . وأعظم الإهانة إهانة الوجه . وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سببا{[15252]} لخيرة الأبد والتحريم له على النار ، فإن الله تعالى قد حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ، حسب ما ثبت في الصحيح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.