قوله عز وجل :{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة } بمعصية ظاهرة ، قيل : هي كقوله عز وجل : { لئن أشركت ليحبطن عملك } لا أن منهن من أتت بفاحشة . وقال ابن عباس : المراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق . { يضاعف لها العذاب ضعفين } قرأ ابن كثير وابن عامر : نضعف بالنون وكسر العين وتشديدها ، العذاب نصب ، وقرأ الآخرون بالياء وفتح العين العذاب رفع ويشددها أبو جعفر وأهل البصرة ، وشدد أبو عمرو هذه وحدها لقوله : ضعفين ، وقرأ الآخرون : يضاعف بالألف وفتح العين ، العذاب رفع ، وهما لغتان مثل بعد وباعد ، قال أبو عمرو وأبو عبيدة : ضعفت الشيء إذا جعلته مثليه وضاعفته إذا جعلته أمثاله . { وكان ذلك على الله يسيراً } قال مقاتل : كان عذابها على الله هيناً وتضعيف عقوبتهن على المعصية لشرفهن كتضعيف عقوبة الحرة على الأمة وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن ، وفيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَنِسَآءَ النّبِيّ مَن يَأْتِ مِنكُنّ بِفَاحِشَةٍ مّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } .
يقول تعالى ذكره لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم : يا نِساء النّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنّ بفاحِشَةٍ مَبَيّنَةٍ يقول : من يزن منكنّ الزنى المعروف الذي أوجب الله عليه الحدّ ، يضاعف لها العذاب على فجورها في الاَخرة ضعفين على فجور أزواج الناس غيرهم ، كما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ قال : يعني عذاب الاَخرة .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ بالألف ، غير أبي عمرو ، فإنه قرأ ذلك : «يُضَعّفْ » بتشديد العين تأوّلاً منه في قراءته ذلك أن يضعّف ، بمعنى : تضعيف الشيء مرّة واحدة ، وذلك أن يجعل الشيء شيئين ، فكأن معنى الكلام عنده : أن يجعل عذاب من يأتي من نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم بفاحشة مبينة في الدنيا والاَخرة ، مثلي عذاب سائر النساء غيرهنّ ، ويقول : إنّ يُضَاعَفْ بمعنى أنْ يجْعَل إلى الشيء مثلاه ، حتى يكون ثلاثة أمثاله فكأن معنى من قرأ يُضَاعَفْ عنده كان أن عذابها ثلاثة أمثال عذاب غيرها من النساء من غير أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلذلك اختار «يضعّف » على يضاعف . وأنكر الاَخرون الذين قرءوا ذلك يضاعف ما كان يقول في ذلك ، ويقولون : لا نعلم بين : ويُضاعَفْ ويُضَعّفْ فرقا .
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك يُضَاعَفْ . وأما التأويل الذي ذهب إليه أبو عمرو ، فتأويل لا نعلم أحدا من أهل العلم ادّعاه غيره ، وغير أبي عُبيدة معمر بن المثنى ، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجة مجمعة عليه بتأويل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له .
{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة } بكبيرة . { مبينة } ظاهر قبحها على قراءة ابن كثير وأبي بكر والباقون بكسر الياء . { يضاعف لها العذاب ضعفين } ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه ، لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد ، وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم وقرأ البصريان يضعف على البناء للمفعول ، ورفع " العذاب " وابن كثير وابن عامر " نضعف " بالنون وبناء الفاعل ونصب " العذاب " . { وكان ذلك على الله يسيرا } لا يمنعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه .
قال أبو رافع كان عمر كثيراً ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح ، فكان إذا بلغ { يا نساء النبي } رفع بها صوته ، فقيل له فقال أذكرهن العهد . وقرأ الجمهور «من يأت » بالياء وكذلك «من يقنت » حملاً على لفظ { من } ، وقرأ عمرو بن فائد ، والجحدري ويعقوب «من تأت » و «من تقنت » بالتاء من فوق حملاً على المعنى ، وقال قوم : «الفاحشة » إذا وردت معرفة فهي الزنا واللواط ، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي كل مستفحش ، وإذا وردت موصوفة بالبيان فهي عقوق الزوج وفساد عشرته ، ولذلك يصفها بالبيان إذ لا يمكن سترها ، والزنا وغيره هو مما يتستر به ولا يكون مبيناً ، ولا محالة أن الوعيد واقع على ما خفي منه وما ظهر . وقالت فرقة بل قوله { بفاحشة مبينة } تعم جميع المعاصي ، وكذلك الفاحشة كيف وردت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.