نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

ولما أتى سبحانه بهذه العبارة{[55472]} الحكيمة الصالحة مع البيان للتبعيض ترهيباً في ترغيب ، أحسن كلهن وحققن بما تخلقن به أن من للبيان ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرض عليهن رضي الله عنهن ذلك ، وبدأ بعائشة رضي الله عنها رأس المحسنات إذ ذاك رضي الله عنها {[55473]}وعن أبيها{[55474]} وقال لها : " إني قائل لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أوبويك " ، فلما تلاها عليها قالت منكرة لتوقفها في الخبر{[55475]} : أفي هذا أستأمر أبوي ، فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، ثم عرض ذلك على جميع أزواجه فاقتدين كلهن{[55476]} بعائشة رضي الله عنهن فكانت لهن إماماً فنالت إلى أجرها مثل أجورهن{[55477]} - روى ذلك البخاري{[55478]} وغيره عن عائشة رضي الله عنها ، وسبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وجد على نسائه رضي الله عنهن فآلى منهن شهراً ، فلما انقضى الشهر نزل {[55479]}إليهن من{[55480]} غرفة كان اعتزل فيها وقد أنزل الله{[55481]} عليه الآيات . فخيرهن فاخترنه رضي الله عنهن ، وسبب ذلك أن منهن من سأل التوسع في النفقة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب التوسع في الدنيا ، روى الشيخان{[55482]} رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم ، من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى الحديث البيهقي ولفظه : قالت : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا لشبعنا ، ولكنه كان يؤثر على نفسه ، وروى الطبراني في الأوسط عنها {[55483]}أيضاً رضي الله عنها{[55484]} قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل عني أو سره أن{[55485]} ينظر إلي فلينظر إليّ أشعث شاحب لم يضع{[55486]} لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ، رفع له علم فشمر إليه ، اليوم{[55487]} المضمار وغداً السباق ، والغاية الجنة أو النار " .

ولما كان الله سبحانه قد أمضى حكمته في هذه الدار في أنه{[55488]} لا يقبل قول{[55489]} إلا ببيان ، قال سبحانه متهدداً{[55490]} على ما قد أعاذهن الله منه ، فالمراد منه بيان أنه رفع مقاديرهن ، ولذلك ذكر الأفعال المسندة إليهن اعتباراً بلفظ " من " والتنبيه على غلط من جعل صحبه الأشراف دافعة للعقاب على الإسراف ، ومعلمة بأنها إنما تكون سبباً للإضعاف : { يا نساء النبي } أي{[55491]} المختارات له لما بينه وبين الله مما يظهر شرفه { من يأتِ } {[55492]}قراءة يعقوب على ما نقله البغوي{[55493]} بالمثناة الفوقانية{[55494]} على{[55495]} معنى من دون لفظها ، وهي قراءة شاذة نقلها الأهوازي في كتاب الشواذ عن ابن مسلم عنه : وقرأ{[55496]} الجماعة بالتحتانية على اللفظ وكذا " يقنت " { منكن بفاحشة } أي من قول أو فعل كالنشوز وسوء الخلق باختيار الحياة الدنيا وزينتها على الله ورسوله أو غير ذلك { مبينة } أي واضحة ظاهرة في نفسها تكاد تنادي بذلك من سوء خلق ونشوز أو غير ذلك { يضاعف لها العذاب } أي بسبب ذلك ، ولما{[55497]} هول الأمر{[55498]} بالمفاعلة في قراءة نافع{[55499]} المفهمة{[55500]} لأكثر من اثنين كما مضى في البقرة ، سهله بقوله{[55501]} : { ضعفين } أي بالنسبة إلى ما لغيرها لأن مقدارها لا يعشره مقدار غيرها كما جعل حد الحر ضعفي{[55502]} ما للعبد ، وكما جعل أجرهن مرتين .

واشتد العتاب فيما بين الأحباب ، وعلى قدر علو المقام يكون الملام ، و{[55503]} بقدر النعمة تكون النقمة ، وكل من بناء يضاعف للمجهول من باب المفاعلة أو{[55504]} التفعيل {[55505]}لأبي جعفر والبصريين أو للفاعل بالنون عند ابن كثير وابن عامر{[55506]} يدل على عظمته سبحانه ، والبناء للمجهول يدل على العناية بالتهويل بالعذاب بجعله{[55507]} عمدة الكلام وصاحب{[55508]} الجملة بإسناد الفعل إليه ، وذلك كله إشارة إلى أن الأمور الكبار صغيرة عنده سبحانه لأنه لا يضره شيء ولا ينفعه شيء ، ولا يوجب شيء من الأشياء له حدوث شيء{[55509]} لم يكن ، ولذلك قال : { وكان ذلك } أي مع كونه عظيماً عندكم { على الله يسيراً * } فهذا ناظر إلى مقام الجلال والكبرياء والعظمة .


[55472]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: النعمة.
[55473]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55474]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55475]:زيد من ظ وم ومد.
[55476]:تأخر في م ومد عن "رضى الله عنهن".
[55477]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أجرهن.
[55478]:راجع صحيحه 2/705.
[55479]:من م ومد، وفي الأصل وظ: اليمين عن.
[55480]:من م ومد، وفي الأصل وظ: اليمين عن.
[55481]:زيد من ظ وم ومد.
[55482]:البخاري في أبواب الأطعمة ومسلم في أبواب الزهد.
[55483]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55484]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55485]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: "و".
[55486]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لم يصنع.
[55487]:زيد من ظ وم ومد.
[55488]:زيد من ظ وم ومد.
[55489]:من م ومد، وفي الأصل وظ: قولا.
[55490]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ممتددا.
[55491]:زيد من ظ وم.
[55492]:زيد في الأصل: على، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[55493]:في معالم التنزيل بهامش اللباب 5/212.
[55494]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الفوقية.
[55495]:زيد في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[55496]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قرأة.
[55497]:سقط من م.
[55498]:العبارة من هنا إلى "سهله" ساقطة من م.
[55499]:سقط من ظ، وراجع نثر المرجان 5/403.
[55500]:من ظ ومد، وفي الأصل: المعنمة.
[55501]:في م: فقال.
[55502]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ضعف.
[55503]:زيد من ظ ومد.
[55504]:في ظ "و".
[55505]:سقط ما بين الرقمين من م.
[55506]:سقط ما بين الرقمين من م.
[55507]:في ظ ومد: لجعله.
[55508]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مصاحب.
[55509]:زيد في الأصل: لو، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.