فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا 30 *ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما 31 يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا 32 }

الله تعالى يغار وغيرة الله أن يرتكب العبد ما حرم الله عليه ، وشرع المولى الحكيم سبحانه شريعة لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولشرف منزلة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وفضل درجتهن ، وتقدمهن على سائر النساء جعلت من تخطىء منهن عقوبة أعلى من عقوبة غيرها ، ولذلك ضوعف حد الحر على العبد ، والثيب على البكر ، { ومن يقنت } لم يؤنث فعلها حملا على لفظ{ من } يقول ابن كثير في هاتين الآيتين الكريمتين : يقول تعالى واعظا نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، واستقر أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناسب أن يخبرهن بحكمهن وتخصيصهن دون سائر النساء بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة –قال ابن عباس رضي الله عنهما : وهي النشوز وسوء الخلق- وعلى كل تقدير فهو شرط والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى : )ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك . . ( {[3624]} . . فلما كانت محلتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا صيانة لجنابهن . . اه

وهذا الجزاء هين على المولى سبحانه أن يحله بمن تفعل ما يوقع فيه ، ومن تخضع لشرعة الله وتستقم على منهاجه ، وتستجيب لأمر رسوله ونهيه ، وتستدم العمل الصالح يضاعف ربنا لها مثوبتها ، ويمنحها الرزق الكريم في جنات النعيم ، في أعلى عليين ، وعهد الله إليهن- وهن أمهات المؤمنين- أن فضلهن ، ورفعة قدرهن بتقواهن لا تعفيهن – بل تفرض عليهن- رعاية جانب الحيطة في القول والفعل ، فالله يرضى أن لا يلن القول كثيرا في خطابهن لمن ليسوا من محارمهن- وإن كن محرمات على المؤمنين إلا أنه كالخطاب لسائر المؤمنات في أشخاصهن – رضوان الله عليهن- فيطمع الذي في قلبه تشوف لفسق أو غزل[ أمرهن أن يكون قولهن جزلا ، وكلامهن فصلا . . . وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس . ]{[3625]} .


[3624]:سورة الزمر. من الآية 65.
[3625]:مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن.