فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

{ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ } من بيانية لأنهن كلهن محسنات { بِفَاحِشَةٍ } أي معصية { مُّبَيِّنَةٍ } أي ظاهرة القبح ، واضحة الفحش ، وقد عصمهن الله عن ذلك وبرأهن وطهرهن فهو كقوله تعالى : لئن أشركت ليحبطن عملك ، وقيل : المراد بالفاحشة : النشوز وسوء الخلق ، وقال قوم : الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنا واللواط ، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي ، وإذا وردت منعوتة فهي عقوق الزوج ، وفساد عشرته . وقالت فرقة : قوله هذا يعم جميع المعاصي ، وكذلك الفاحشة كيف وردت .

{ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } أي يعذبهن الله مثلي عذاب غيرهن من النساء إذا أتين بمثل تلك الفاحشة ، وذلك لشرفهن وعلو درجتهن ، وارتفاع منزلتهن ، ولأن ما قبح من سائر النساء كان منهن أقبح ، فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل ، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان الذم للعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل ، لأن المعصية من العالم أقبح ، ولذا فضل حد الأحرار على العبيد .

وقد ثبت في هذه الشريعة في غير موضع أن تضاعف الشرف وارتفاع الدرجات يوجب لصاحبه إذا عصى تضاعف العقوبات . وقرئ يضعف على البناء للمفعول ، وفرق أبو عمروا وأبو عبيد بين يضاعف ويضعف فقالا : يكون يضاعف ثلاثة عذابات ويضعف عذابين قال النحاس : هذه التفرقة التي جاء بها لا يعرفها أحد من أهل اللغة ، والمعنى في : يضاعف ويضعف واحد ، أي يجعل ضعفين ، وهكذا ما قالاه ابن جرير .

قال قوم : لو قدر الله الزنا من واحدة – وقد أعاذهن الله عن ذلك – لكانت تحد حدين لعظم قدرها ، كما يزاد حد الحرة على الأمة ، والعذاب بمعنى الحد قال تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ، وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المثلين أو المرتين ، وقال مقاتل : هذا التضعيف في العذاب إنما هو في الآخرة ، كما إن إيتاء الأجر مرتين في الآخرة وهذا حسن لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتين بفاحشة توجب حدا .

وقد قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، وإنما خانتا في الإيمان والطاعة . وقال بعض المفسرين : العذاب الذي توعدن به ضعفين هو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة وكذلك الأجر . قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، اللهم إلا أن تكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ترفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة على ما هو حال الناس عليه بحكم حديث عبادة بن الصامت ، وهذا أمر لم يرد في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا حفظ تقريره .

{ وَكَانَ ذَلِكَ } أي تضعيف العذاب { عَلَى اللهِ يَسِيرًا } هينا لا يتعاظمه ولا يصعب عليه ، فليس كونكن تحت النبي صلى الله عليه وسلم وكونكن جليلات شريفات مما يدفع العذاب عنكن ، وليس أمر الله كأمر الخلق حتى يتعذر عليه تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهن وأعوانهن أو شفعائهن وإخوانهن .