قوله تعالى : { فجعلناها } . أي جعلنا عقوبتهم بالمسخ .
قوله تعالى : { نكالاً } . أي عقوبة وعبرة ، والنكال اسم لكل عقوبة ينكل الناظر من فعل ما جعلت العقوبة جزاء عليه ، ومنه النكول عن اليمين وهو الامتناع ، وأصله من النكل وهو القيد ، ويكون جمعه : أنكالاً .
قوله تعالى : { لما بين يديها } . قال قتادة : أراد بما بين يديها يعني ما سبقت من الذنوب ، أي جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدم من ذنوبهم قبل نهيهم عن أخذ الصيد .
قوله تعالى : { وما خلفها } . ما حضر من الذنوب التي أخذوا بها ، وهي العصيان بأخذ الحيتان ، وقال أبو العالية و الربيع : عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم أن يستنوا بسنتهم ، وما الثانية : بمعنى من ، وقيل : جعلناها أي جعلنا قرية أصحاب السبت عبرة لما بين يديها ، أي القرى التي كانت مبنية في الحال ، وما خلفها وما يحدث من القرى من بعد ليتعظوا ، وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : فجعلناها وما خلفها ، أي ما أعد لهم من العذاب في الآخرة ، نكالاً وجزاء لما بين يديها أي لما تقدم من ذنوبهم باعتدائهم في السبت .
قوله تعالى : { وموعظة للمتقين } . للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يفعلون مثل فعلهم .
والضمير في قوله : { فَجَعَلْنَاهَا } يعود إلى العقوبة التي هي مسخهم قردة و { نَكَالاً } أي عبرة تنكل المعتبر بها بحيث تمنعه وتردعه من ارتكاب الشر .
يقال : نكل به تنكيلا إذا صنع به صنعاً يردعه ويجعل غيره يخاف ويحذر .
والاسم النكال وهو ما نكلت به غيرك ، وأصله من النكل - بالكسر - وهو القيد الشديد وجمعه أنكال .
وقوله " لما بين يديها وما خلفها . أي : للذين كانوا قبل هذه العقوبة وعاشوا حتى شاهدوها ، وللذين أتوا بعدها وعرفوا عن يقين خبرها .
والمعنى : فجعلنا هذه العقوبة عبرة زاجرة لمن كان قبلها وعاش حتى رآها ولمن أتى بعدها وعلم يقيناً بحال العادين في السبت الذين مسخوا بسبب عصيانهم تحذيراً له من أن يعمل عملهم ، فيمسخ كما مسخوا ، ويحل به العذاب الذي حل بهم . كما جعلناها أيضاً { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } الذين يسمعون قصتها فهم الذين من شأنهم أن ينففعوا بالعظات ، ويعتبروا بالمثلات .
{ فجعلناها } أي المسخة ، أو العقوبة . { نكالا } عبرة تنكل المعتبر بها ، أي تمنعه ومنه النكل للقيد . { لما بين يديها وما خلفها } لما قبلها وما بعدها من الأمم إذ ذكرت حالهم في زبر الأولين ، واشتهرت قصتهم في الآخرين ، أو لمعاصريهم ومن بعدهم ، أو لما بحضرتها من القرى وما تباعد عنها ، أو لأهل تلك القرية وما حواليها ، أو لأجل ما تقدم عليها من ذنوبهم وما تأخر منها . { وموعظة للمتقين } من قومهم ، أو لكل متق سمعها .
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ( 66 )
والضمير في { جعلناها } : يحتمل العود على المسخة والعقوبة ، ويحتمل على الأمة التي مسخت ، ويحتمل على القردة ، ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها( {[752]} ) ، وقيل يعود على الحيتان ، وفي هذا القول بعد .
والنكال : الزجر بالعقاب ، والنكل والأنكال : قيود الحديد ، فالنكال عقاب ينكل بسببه غير المعاقب عن أن يفعل مثل ذلك الفعل( {[753]} ) ، قال السدي : ما بين يدي المسخة : ما قبلها من ذنوب القوم ، { وما خلفها } : لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب( {[754]} ) ، وهذا قول جيد ، وقال غيره : «ما بين يديها » أي من حضرها من الناجين ، { وما خلفها } أي لمن يجيء بعدها ، وقال ابن عباس : { لما بين يديها } : أي من بعدهم من الناس ليحذر ويتقي ، { وما خلفها } : لمن بقي منهم عبرة .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وما أراه يصح عن ابن عباس رضي الله عنه ، لأن دلالة ما بين اليد ليست كما في القول ، وقال ابن عباس أيضاً : { لما بين يديها وما خلفها } ، أي من القرى( {[755]} ) ، فهذا ترتيب أجرام لا ترتيب في الزمان( {[756]} ) .
{ وموعظة } مفعلة من الاتعاظ والازدجار ، { وللمتقين } معناه للذين نهوا ونجوا ، وقالت فرقة : معناه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، واللفظ يعم كل متق من كل أمة .
وقوله : { فجعلناها نكالاً } عاد فيه الضمير على العقوبة المستفادة من قوله : { فقلنا لهم كونوا قردة } . والنكال بفتح النون العقاب الشديد الذي يردع المعاقب عن العود للجناية ويردع غيره عن ارتكاب مثلها ، وهو مشتق من نكل إذا امتنع ويقال نكّل به تنكيلاً ونكالاً معنى عاقبه بما يمنعه من العود . والمراد بما بين يديها وما خلفها ما قارنها من معاصيهم وما سبق يعني أن تلك الفعلة كانت آخر ما فعلوه فنزلت العقوبة عندها ولما بين يديها من الأمم القريبة منها ولما خلفها من الأمم البعيدة . والموعظة ما به الوعظ وهو الترهيب من الشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.