المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

199- إن بعض أهل الكتاب يؤمنون بالله وبما أنزل على محمد وبما أنزل على الرسل من قبله ، تراهم خاضعين لله ضارعين إليه ، لا يستبدلون بالبينات الظاهرة عرضاً من أعراض الدنيا مهما عظم فهو قليل ، هؤلاء لهم الجزاء الأوفى في دار الرضوان عند ربهم والله سريع الحساب لا يعجزه إحصاء أعمالهم ومحاسبتهم عليها ، وهو قادر على ذلك وجزاؤه نازل بهم لا محالة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

قوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله } . الآية ، قال ابن عباس وجابر وأنس وقتادة : نزلت في النجاشي ملك الحبشة ، واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية ، وذلك أنه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ، النجاشي " فخرج إلى البقيع وكشف له إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط ، وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال عطاء : نزلت في أهل نجران أربعين رجلاً ، اثنان وثلاثين من أرض الحبشة وثمانية من الروم ، كانوا على دين عيسى عليه السلام ، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن جريج : نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال مجاهد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ) .

قوله تعالى : { وما أنزل إليكم } . يعني القرآن .

قوله تعالى : { وما أنزل إليهم } . يعني : التوراة والإنجيل .

قوله تعالى : { خاشعين لله } . خاضعين متواضعين لله .

قوله تعالى : { لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً } . يعني : لا يحرفون كتبهم ، ولا يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم لأجل الرياسة والمأكلة ، كفعل غيرهم من رؤساء اليهود .

قوله تعالى : { أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

ثم بين - سبحانه - أن أهل الكتاب ليسوا سواء . بل منهم الأشرار ومنهم الأخيار ، وقد بين - سبحانه - هنا صفات الأخيار منهم فقال : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً } .

أى : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب } وهم اليهود والنصارى لفريقاً { يُؤْمِنُ بالله } إيمانا حقا منزها عن الإشراك بكل مظاهره ويؤمن بما { أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن الكريم على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمن بحقيقة " ما أنزل إليهم " من التوراة والإنجيل ولا يزالون مع هذا الإيمان العميق { خَاشِعِينَ للَّهِ } أى خاضعين له - سبحانه - خائفين من عقابه ، طالبين لرضاه { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً } أى لا يبيعون آيات الله أو حقيقة من حقائق دينهم فى نظير ثمن هو عرض من أعراض الدنيا الفانية ، لأن هذا الثمن المأخوذ قليل حتى ولو بلغ القناطير المقنطرة من الذهب والفضة .

فأنت ترى أنه - سبحانه - قد وصفهم بخمس صفات كريمة تدل على صفاء نفوسهم وطهارة قلوبهم ، وفى هذا إنصاف من القرآن الكريم للمهتدين من أهل الكتاب .

وقد ذكر القرآن ما يشبه هذه الآية فى كثير من سوره ومن ذلك قوله - تعالى - { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَآءَ الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } وقوله - تعالى - { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } وقدم - سبحانه - إيمانهم بالقرآن على إيمانهم بما أنزل عليهم لأن القرآن هو المهيمن على الكتب السماوية والأمين عليها ، فما وافقه منها فهو حق وما خالفه فهو باطل وقوله { خَاشِعِينَ للَّهِ } حال من فاعل { يُؤْمِنُ } وجمع حملا على المعنى :

ثم بين - سبحانه - جزاءهم الطيب بعد بيان صفاتهم الكريمة فقال : { أولائك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } .

أى أولئك الموصفون بتلك الصفات الكريمة لهم أجرهم الجزيل فى مقابل أعمالهم الصالحة وأفعالهم الحميدة .

وقوله { إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق وأنه يوفيها لكل عامل على ما ينبغى وقدر ما ينبغى .

ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر ؛ فإن سرعة الحساب تستدعى سرعة الجزاء فكأنه قيل : لهم أجرهم عند ربهم عن قريب ، لأن الله - تعالى - سريع الحساب والجزاء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

يخبرُ تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان ، وبما أنزل على محمد ، مع ما هم يؤمنون به من الكتب المتقدمة ، وأنهم خاشعون لله ، أي : مطيعون له خاضعون متذللون بين يديه ، { لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا } أي : لا يكتمون بأيديهم من البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وذكر صفته ونعته ومبعثه وصفة أمته ، وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم ، سواء كانوا هودًا أو نصارى . وقد قال تعالى في سورة القصص : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ . وَإِذَا يُتْلَى{[6396]} عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ . أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا } الآية [ القصص : 52 - 54 ] ، وقال تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } الآية [ البقرة : 121 ] ، وقال : { وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] ، وقال تعالى : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] ، وقال تعالى : { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا . وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } [ الإسراء : 107 - 109 ] ، وهذه الصفات توجد في اليهود ، ولكن قليلا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود ولم يبلغوا عَشْرَةَ أنفُس ، وأما النصارى فكثير منهم مهتدون وينقادون للحق ، كما قال تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ . {[6397]} ] فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } الآية [ المائدة : 82 - 85 ] ، وهكذا قال هاهنا : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ]{[6398]} } الآية .

وقد ثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، لَمّا قرأ سورة { كهيعص } بحضرة النجاشي ملك الحبشة ، وعنده البطاركة والقساوسة{[6399]} بَكَى وبَكَوْا معه ، حتى أخْضَبُوا{[6400]} لِحَاهُم .

وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نَعَاه النبي{[6401]} صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ، وقال : " إن أخًا{[6402]} لكم بالحبشة قد مات فصَلُّوا عليه " . فخرج [ بهم ]{[6403]} إلى الصحراء ، فَصفَّهم ، وصلّى عليه{[6404]} .

وروى ابن أبي حاتم والحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : لما تُوُفي النجاشي قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : استغفروا لأخيكم . فقال بعض الناس : يأمرنا أن نستغفر لِعِلْج مات بأرض الحبشة . فنزلت : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ } الآية .

ورواه عبد بن حميد وابن{[6405]} أبي حاتم من طريق أخرى عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن{[6406]} عن النبي صلى الله عليه وسلم{[6407]} . ثم رواه ابن مَرْدويه [ أيضا ]{[6408]} من طرق عن حُمَيْد ، عن أنس بن مالك نحو ما تقدم{[6409]} .

ورواه أيضًا ابن{[6410]} جرير من حديث أبي بكر الهُذَلي ، عن قَتَادة ، عن سعيد بن المُسَيَّب ، عن جابر قال : قال [ لنا ]{[6411]} رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي : " إن أخاكم أصْحَمة قد مات " . فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى كما يُصَلِّي على الجنائز فكبر عليه أربعا ، فقال المنافقون : يصلي على علج مات بأرض الحبشة : فأنزل الله [ عز وجل ]{[6412]} { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ [ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ]{[6413]} }{[6414]} .

وقد روى الحافظُ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه أنبأنا أبو العباس السياري بمرو ، حدثنا عبد الله بن علي الغزال ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، حدثنا ابن المبارك ، أنبأنا مصعب بن ثابت ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه قال : نزل بالنجاشي عَدُوّ من أرضهم ، فجاءه المهاجرون فقالوا : نحب{[6415]} أن نَخْرُجَ إليهم حتى نقاتل معك ، وترى جرأتنا ، ونجزيك بما صنعت بنا . فقال : لا دواء بنصرة الله عز وجل خَيْر من دواء بنصرة الناس . قال : وفيه نزلت : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ } الآية ، ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه{[6416]} .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن عَمْرو الرازي ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : لما مات النجاشي كنا نُحَدِّث أنه لا يزال يرى على{[6417]} قبره نور{[6418]} .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } يعني : مسلمة أهل الكتاب .

وقال عَباد بن منصور : سألت الحسن البصري عن قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ [ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ ] }{[6419]} الآية . قال : هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فاتبعوه وعرفوا الإسلام ، فأعطاهم الله تعالى أجر اثنين{[6420]} للذي{[6421]} كانوا عليه من الإيمان{[6422]} قبل محمد صلى الله عليه وسلم وبالذي اتبعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم . رواهما ابن أبي حاتم .

وقد ثبت في الصحيحين ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة يُؤتَوْنَ أجرَهم مرتين " فذكر منهم : " ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي " {[6423]} .

وقوله : { لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا } أي : لا يكتمون ما بأيديهم من العلم ، كما فعله الطائفة المرذولة منهم{[6424]} بل يبذلون ذلك مجانا ؛ ولهذا قال : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }

قال مجاهد : { سَرِيعُ الْحِسَابِ } يعني : سريع الإحصاء . رواه ابن أبي حاتم وغيره .


[6396]:في جـ أ: "تتلى".
[6397]:زيادة من جـ، ر، و. وفي هـ: "إلى قوله تعالى".
[6398]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6399]:في جـ، ر: "القساقسة".
[6400]:في جـ، ر: "أخضلوا".
[6401]:في جـ، ر، أ، و: "رسول الله".
[6402]:في جـ: "أخاكم".
[6403]:زيادة من جـ، أ، و.
[6404]:صحيح البخاري برقم (1320) وصحيح مسلم برقم (952) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
[6405]:في ر: "عن".
[6406]:في جـ، ر: "أنس".
[6407]:ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (2688) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به. ثم قال: "لم يروه عن حماد إلا مؤمل".
[6408]:زيادة من أ، و.
[6409]:ورواه الطبراني في الأوسط برقم (3928) "مجمع البحرين" من طريق أبي بكر بن عياش عن حميد عن أنس به. قال الهيثمي في المجمع (3/38): "رجاله ثقات". ورواه الواحدي في الوسيط (1/536) من طريق معتمر بن سليمان عن حميد عن أنس به.
[6410]:في ر: "وابن".
[6411]:زيادة من جـ، ر.
[6412]:زيادة من جـ، أ.
[6413]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[6414]:تفسير الطبري (7/496).
[6415]:في جـ، ر: "إنا نحب".
[6416]:المستدرك (2/300) وأقره الذهبي.
[6417]:في جـ، أ: "في".
[6418]:سنن أبي داود بررقم (2523).
[6419]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[6420]:في جـ، ر: "إحدى اثنتين".
[6421]:في أ: "للذين".
[6422]:في جـ، ر، أ، و: "الإسلام".
[6423]:صحيح البخاري برقم (97) وصحيح مسلم برقم (154).
[6424]:في أ: "بينهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

{ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله } نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه . وقيل في أربعين من نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا نصارى فأسلموا . وقيل في أصحمة النجاشي لما نعاه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى عليه فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط . وإنما دخلت اللام على الاسم للفصل بينه وبين إن بالظرف . { وما أنزل إليكم } من القرآن . { وما أنزل إليهم } من الكتابين . { خاشعين لله } حال من فاعل يؤمن وجمعه باعتبار المعنى { لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا } كما يفعله المحرفون من أحبارهم . { أولئك لهم أجرهم عند ربهم } ما خص بهم من الأجر ووعده في قوله تعالى : { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } { إن الله سريع الحساب } لعمله بالأعمال وما يستوجبه من الجزاء واستغنائه عن التأمل والاحتياط ، والمراد أن الأجر الموعود سريع الوصول فإن سرعة الحساب تستدعي سرعة الجزاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

اختلف المتأولون ، فيمن عنى بهذه الآية ، فقال جابر بن عبد الله وابن جريج وقتادة وغيرهم : نزلت بسبب أصحمة النجاشي سلطان الحبشة{[3813]} ، وذلك أنه كان مؤمناً بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، فلما مات عرف بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اخرجوا فصلوا على أخ لكم ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، فكبر أربعاً{[3814]} ، وفي بعض الحديث : أنه كشف لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن نعشه في الساعة التي قرب منها للدفن ، فكان يراه من موضعه بالمدينة ، فلما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط ، فنزلت هذه الآية{[3815]} ، وكان أصحمة النجاشي نصرانياً ، وأصحمة تفسيره بالعربية عطية ، قاله سفيان بن عيينة وغيره ، وروي أن المنافقين قالوا بعد ذلك : فإنه لم يصل القبلة فنزلت { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله }{[3816]} وقال قوم : نزلت في عبد الله بن سلام ، وقال ابن زيد ومجاهد : نزلت في جميع من آمن من أهل الكتاب ، و { خاشعين } حال من الضمير في { يؤمن } ، ورد { خاشعين } على المعنى في «من » لأنه جمع لا على لفظ «من » لأنه إفراد ، وقوله تعالى : { لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً } مدح لهم وذم لسائر كفار أهل الكتاب لتبديلهم وإيثارهم كسب الدنيا الذي هو ثمن قليل على آخرتهم وعلى آيات الله تعالى ، وقوله تعالى : { إن الله سريع الحساب } قيل معناه : سريع إتيان بيوم القيامة ، وهو يوم الحساب ، فالحساب إذاً سريع إذ كل آت قريب ، وقال قوم : { سريع الحساب } أي إحصاء أعمال العباد وأجورهم وآثامهم ، إذ ذلك كله في عمله لا يحتاج فيه إلى عد وروية ونظر كما يحتاج البشر .


[3813]:- هو أصحمة بن أبجر ملك الحبشة، هاجر إليه المسلمون في الهجرة الأولى، وكان من قصة إسلامه المشهورة أنه قال للقسيسين: أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى، لولا ما أنا فيه من الملك أتيته، وكنت أحمل نعليه، وكان من أعلم أهل عصره بالإنجيل، يقرأ صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي حتى يبل لحيته، توفي في السنة التاسعة من الهجرة في شهر رجب وصلى عليه صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب. "الشهاب على الشفاء" 3/267.
[3814]:- أخرجه البخاري في الجنائز عن مسدد، والترمذي فيه عن أحمد بن منيع، والنسائي فيه عن قتيبة وسويد بن نصر، وابن ماجة عن أبي بكر بن شبيبة، ومسلم فيه عن يحيى بن يحيى، وأبو داود فيه عن القعنبي، والنسائي فيه عن محمد بن رافع، ستتهم عن مالك "العيني 8/19" و"تيسير الوصول 290" أخرجه البزار، والطبراني، في "الأوسط" عن ابن عمر وعن أنس. والطبراني أيضا فيه عن أبي سعيد الخدري. كما أخرجه الطبراني في الكبير عن جرير، وعن ابن خارجة (مجمع الزوائد 3/38-39).
[3815]:- أخرجه الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد وإسناده حسن، (مجمع الزوائد 3/39).
[3816]:- من سورة البقرة: الآية (115).