الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

قوله : ( وَإِنَّ مِنَ اَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُّومِنُ بِاللَّهِ ) الآية [ 199 ] .

( خَاشِعِينَ ) نصب على الحال من المضمر في ( يُّومِنُ ) عند البصريين والفراء ومن ( مِنَ ) عند الكسائي( {[11463]} ) . وقال نصير( {[11464]} ) : هو حال من المضمر في إليكم أو في إليهم( {[11465]} ) ، وهذه الآية نزلت في الأربعين رجلاً من أهل نجران منهم : اثنان وثلاثون من بني الحارث من الحبشة ، وثمانية من الروم على دين عيسى صلى الله عليه وسلم آمنوا بالنبي عليه السلام( {[11466]} ) ، وقيل : نزلت في النجاشي( {[11467]} ) .

وروى ابن المسيب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اخرجوا فصلوا على أخيكم " فقال فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات( {[11468]} ) ، فقال : هذا النجاشي أصحمة فقال المنافقون انظروا كيف يصلي على علج نصراني لم يره قط ، فأنزل الله عز وجل ( وَإِنَّ مِنَ اَهْلِ الكِتَابِ ) الآية( {[11469]} ) .

قال قتادة : قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه قالوا نصلي على رجل ليس بمسلم قال فنزلت ( وَإِنَّ مِنَ اَهْلِ الكِتَابِ ) قال : وقالوا فإنه كان يصلي إلى القبلة ، فأنزل الله ( وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ ) الآية( {[11470]} ) .

وأصحمة بالعربية : عطية( {[11471]} ) .

وقيل عنى بالآية عبد الله بن سلام( {[11472]} ) ومن آمن معه قاله ابن جريج( {[11473]} ) .

قال مجاهد وغيره : عنى بذلك من آمن من أهل الكتاب اليهود والنصارى( {[11474]} ) ، وهو مثل القول الأول ، والآية تدل على هذا لأنها عامة اللفظ في أهل الكتاب .

قوله : ( لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) الآية [ 199 ] .

أي : لا يحرفون أمر محمد صلى الله عليه وسلم فيقبلون على تحريفه وإنكاره( {[11475]} ) – الرشا فهم يؤمنون بالله ، وما أنزل إليكم وهو القرآن ، وما أنزل إليهم وهو التوراة والإنجيل ( خَاشِعِينَ لِلَّهِ ) أي : متذللين خائفين ، و( لاَ يَشْتَرُونَ )( {[11476]} ) : في موضع الحال أيضاً( {[11477]} ) لأن غير مشترين بآيات الله ثمناً قليلاً ( أوْلاَئِكَ لَهُمُ أَجْرَهُمْ ) أي عوض أعمالهم ( إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ ) أي : لا يخفى عليه شيء من أعمالهم فهو يحتاج إلى حساب ذلك وإحصائه لئلا يبقى منه شيء .


[11463]:- انظر: إعراب النحاس 1/388 ومشكل الإعراب 1/186.
[11464]:- هو أبو المنذر نصير بن يوسف الرازي البغدادي توفي 240 ثقة كان عالماً بالقراءات ونحوها ولغتها، أخذ عن الكسائي واليزدي. انظر: إنباه الرواة 3/347، ونزهة الألباء 239.
[11465]:- انظر: إعراب النحاس 1/386.
[11466]:- انظر: سيرة ابن هشام 2/592.
[11467]:- انظر: المصدر السابق.
[11468]:- أخرجه البخاري في باب الصلاة على الجنائز 2/89، وابن ماجه 1/490 ومسلم 3/54.
[11469]:- انظر: جامع البيان 4/218، وتفسير ابن كثير 1/444، والدر المنثور 2/415.
[11470]:- انظر: جامع البيان 4/213، والدر المنثور 2/415.
[11471]:- انظر: لسان العرب 6/351/ [المدقق].
[11472]:- هو أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي توفي 43 هـ. صحابي أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة شهد فتح بيت المقدس واعتزل أيام الفتنة، انظر: سيرة ابن هشام 2/592، والإصابة 2/313.
[11473]:- انظر: جامع البيان 4/219، والدر المنثور 2/416.
[11474]:- انظر: المصدر السابق.
[11475]:- (أ): أنكراه (ج).
[11476]:- (ج) لا يشتروا وهو خطأ.
[11477]:- انظر: مشكل الإعراب 1/186.