الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

قوله تعالى : { لَمَن يُؤْمِنُ } : اللام لام الابتداء دَخَلَتْ على اسم " إنَّ " لتأخُّره عنها . و { مِنْ أَهْلِ } خبرٌ مقدم ، و " مَنْ " يجوزُ أن تكونَ موصولةً ، وهو الأظهرُ ، وموصوفةً أي : لقوماً ، و " يؤمِنْ " صلةٌ على الأول فلا محلَّ له ، وصفةٌ على الثاني فمحلُّه النصب ، وأتَى هنا بالصلةِ مستقبلةً وإن كان ذلك قد مضى ، دلالةً على الاستمرارِ والديمومة .

قوله : { خَاشِعِينَ } فيه أربعةُ أوجه ، أحدها : أنه حالٌ من الضمير في " يؤمنُ " ، وجَمَعَه حَمْلاً على معنى " مَنْ " كما جَمَع في قوله : " إليهم " ، وبدأ بالحمل على اللفظ في " يُؤمِنُ " على الحمل على المعنى لأنه الأَوْلى . الثاني : أنه حالٌ من الضمير في " إليهم " ، فالعامل فيه " أنزل " . الثالث : أنه حالٌ من الضمير في " يَشْترون " ، وتقديمُ ما في حَيِّز " لا " عليها جائزٌ على الصحيح ، وتقدَّم شيء من ذلك في الفاتحة . الرابع : أنه صفةٌ ل " مَنْ " إذ قيل بأنها نكرةٌ موصوفةٌ ، وأمَّا الأوجهُ فجائزةٌ سواءً كانت موصولةً أو نكرةً موصوفة .

قوله : " لله " فيه وجهان ، أحدُهما : أنه متعلقٌ ب " خاشعين " أي لأجلِ الله . والثاني : أن يتعلَّقَ ب " لا يَشْتُرون " ذكره أبو البقاء ، قال : " وهو في نيةِ التأخير ، أي : لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً لأجل الله " .

قوله : { لاَ يَشْتَرُونَ } كقولِه : " خاشعين " إلا في الوجه الثالث لتعذُّرِه ، ونزيد عليه وجهاً آخرَ : وهو أن يكونَ حالاً من الضمير المستكنِّ في " خاشعين " أي : غيرَ مشترين . وتقدَّم معنى الخشوع والاشتراء وما قيل فيه وفي الباء في البقرة .

قوله : { أُوْلئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ } " أولئك " مبتدأ . وأمَّا { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } ففيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يكون " لهم " خبراًً مقدماً ، و " أجرهم " مبتدأ مؤخرٌ ، والجملةُ خبر الأول ، وعلى هذا فالظرف فيه وجهان ، أحدُهما : أنه متعلقٌ ب " أجرهم " ، والثاني : أنه حالٌ من الضمير في " لهم " وهو ضميرُ الأجرِ لأنه واقعٌ خبراً .

الوجه الثاني : أن يرتفعَ " أجرُهم " بالجارِّ قبله ، وفي الظرف الوجهان ، إلاَّ أنَّ الحالَ من " أجرهم " الظاهرُ ، لأنَّ " لهم " لا ضميرَ فيه حينئذٍ . الثالث : أنَّ الظرفَ هو خبرُ " أجرهم " و " لهم " متعلق بما تعلَّقَ به هذا الظرفُ من الثبوتِ والاستقرار . ومن هنا إلى آخر السورة تقدَّم إعراب نظائره .