ولما كان للمؤمنين من أهل الكتابين - مع التشرف بما كانوا عليه من الدين الذي{[20224]} أصله حق - حظٌّ من الهجرة ، فكانوا قسماً ثانياً من المهاجرين ، وكان إنزال كثير من هذه السورة في مقاولة أهل الكتاب ومجادلتهم والتحذير من مخاتلتهم{[20225]} ومخادعتهم والإخبار - بأنهم يبغضون{[20226]} المؤمنين مع محبتهم لهم ، وأنهم لا يؤمنون بكتابهم ، وأنهم سيسمعون منهم أذى كثيراً إلى أن وقع الختم في أوصافهم بأنهم اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً - ربما أيأس من إيمانهم ؛ أتبع ذلك مدح مؤمنيهم{[20227]} ، وغير الأسلوب عن أن يقال مثلاً : والذين آمنوا من أهل الكتاب - إطماعاً في موالاتهم{[20228]} بعد التدريب بالتحذير منهم على مناواتهم وملاواتهم فقال : { وإن من أهل الكتاب } أي اليهود والنصارى { لمن يؤمن بالله } أي{[20229]} الذي{[20230]} حاز صفات الكمال ، وأشار إلى الشرط المصحح{[20231]} لهذا الإيمان بقوله : { وما أنزل إليكم } أي{[20232]} من هذا القرآن { وما أنزل إليهم } أي كله ، فيذعن لما يأمر منه باتباع هذا النبي العربي ، وإليه الإشارة بقوله جامعاً للنظر إلى معنى من تعظيماً لوصف الخشوع بالنسبة إلى مطلق الإيمان{[20233]} : { خاشعين لله } أي لأنه الملك الذي لا كفوء له ، غير مستنكفين عن نزل المألوف { لا يشترون بآيات الله } أي التي متى تأملوها علموا أنه لا يقدر عليها إلا من أحاط بالجلال والجمال ، الآمرة لهم بذلك { ثمناً قليلاً } {[20234]}بما هم{[20235]} عليه من الرئاسة ونفوذ الكلمة - كما تقدم قريباً في وصف معظمهم ، فهم يبينونها{[20236]} ويرشدون إليها ولا يحرفونها .
ولما أخبر تعالى عن حسن ترحمهم إليه أخبر عن جزائهم عنده بما يسر النفوس ويبعث الهمم فقال : { أولئك } أي العظيمو الرتبة { لهم أجرهم } أي الذي يؤملونه ، ثم زادهم فيه رغبة تشريفه بقوله : { عند ربهم } أي الذي رباهم ولم يقطع إحسانه{[20237]} لحظة عنهم ، كل ذلك تعظيماً له من حيث إن لهم الأجر مرتين .
ولما اقتضت هذه التأكيدات المبشرات إنجاز الأجر وإتمامه وإحسانه ، وكان قد تقدم أنه تعالى يؤتي كل أحد{[20238]} من ذكر وأنثى أجره ، ولا يضيع شيئاً ، ويجازي المسيء والمحسن ، وكانت{[20239]} العادة قاضية بأن كثرة الخلق سبب لطول زمن الحساب ، وذلك سبب لطول الانتظار ، وذلك{[20240]} سبب لتعطيل{[20241]} الإنسان عن مهماته ولضيق صدره بتفرق عزمه وشتاته{[20242]} كان ذلك محل عجب يورث توهم ما لا ينبغي ، فأزال هذا التوهم بأن أمره تعالى على غير ذلك لأنه لا يشغله شأن عن شأن بقوله : { إن الله } أي بما له من الجلال والعظمة والكمال { سريع الحساب * }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.