مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

قوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب } .

اعلم أنه تعالى لما ذكر حال المؤمنين وكان قد ذكر حال الكفار من قبل ، بأن مصيرهم إلى النار بين في هذه الآية أن من آمن منهم كان داخلا في صفة الذين اتقوا فقال : { وإن من أهل الكتاب } واختلفوا في نزولها ، فقال ابن عباس وجابر وقتادة : نزلت في النجاشي حين مات وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال المنافقون : إنه يصلي على نصراني لم يره قط ، وقال ابن جريج وابن زيد : نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه ، وقيل : نزلت في أربعين من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا . وقال مجاهد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم ، وهذا هو الأولى لأنه لما ذكر الكفار بأن مصيرهم إلى العقاب ، بين فيمن آمن منهم بأن مصيرهم إلى الثواب .

واعلم أنه تعالى وصفهم بصفات : أولها : الإيمان بالله ، وثانيها : الإيمان بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم . وثالثها : الإيمان بما أنزل على الأنبياء الذين كانوا قبل محمد عليه الصلاة والسلام . ورابعها : كونهم خاشعين لله وهو حال من فاعل يؤمن لأن من يؤمن في معنى الجمع . وخامسها : أنهم لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا كما يفعله أهل الكتاب ممن كان يكتم أمر الرسول وصحة نبوته .

ثم قال تعالى في صفتهم : { أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب } والفائدة في كونه سريع الحساب كونه عالما بجميع المعلومات ، فيعلم ما لكل واحد من الثواب والعقاب .