البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

{ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم } لما مات أصمحة النجاشي ملك الحبشة .

ومعنى أصمحة بالعربية عطية ، قال سفيان بن عيينة وغيره : « صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم » فقال قائل : يصلي عليه العلج النصراني وهو في أرضه فنزلت ، قاله : جابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وأنس .

وقال الحسن وقتادة : في النجاشي وأصحابه .

وقال ابن عباس فيما روى عنه أبو صالح : في مؤمني أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وبه قال : مجاهد .

وقال ابن جريج وابن زيد ومقاتل : في عبد الله بن سلام وأصحابه .

وقال عطاء : في أربعين من نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم ، كانوا على دين عيسى فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ومِن في لمن الظاهر أنها موصولة ، وأجيز أن تكون نكرة موصوفة أي : لقوماً .

والذي أنزل إلينا هو القرآن ، والذي أنزل إليهم هو كتابهم .

{ خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً } كما اشترت بها أحبارهم الذين لم يؤمنوا .

وانتصاب خاشعين على الحال من الضمير في يؤمن ، وكذلك لا يشترون هو في موضع نصب على الحال .

وقيل : حال من الضمير في إليهم ، والعامل فيها أنزل .

وقيل : حال من الضمير في لا يشترون ، وهما قولان ضعيفان .

ومن جعل من نكرة موصوفة ، يجوز أن يكون خاشعين ولا يشترون صفتين للنكرة .

وجمع خاشعين على معنى من كما جمع في وما أنزل إليهم .

وحمل أولاً على اللفظ في قوله : يؤمن ، فأفرد وإذا اجتمع الحملان ، فالأولى أن يبدأ بالحمل على اللفظ .

وأتى في الآية بلفظ يؤمن دون آمن ، وإن كان إيمان من نزل فيهم قد وقع إشارة إلى الديمومة والاستمرار .

ووصفهم بالخشوع وهو التذلل والخضوع المنافي للتعاظم والاستكبار ، كما قال تعالى : { وأنهم لا يستكبرون }

{ أولئك لهم أجرهم عند ربهم } أي ثواب إيمانهم ، وهذا الأجر مضاعف مرتين بنص الحديث الصحيح : « وأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين » يضاعف لهم الثواب بما تضاعف منهم من الأسباب .

وعند ظرف في موضع الحال ، والعامل فيه العامل في لهم ، ومعنى عند ربهم : أي في الجنة .

{ إن الله سريع الحساب } أي سريع الإتيان بيوم القيامة وهو يوم الحساب .

والمعنى : أنَّ أجرهم قريب إتيانه أو سريع حسابه لنفوذ علمه ، فهو عالم بما لكل عامل من الأجر .

وتقدم تفسير هذه الجملة مستوفى .

/خ200