قوله تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله } الآية ، قال ابن عباس : لما نزلت { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [ الأنبياء :98 ] قال المشركون : يا محمد ، لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون ربك ، فنهاهم الله تعالى أن يسبوا أوثانهم . وقال قتادة : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك ، لئلا يسبوا الله فإنهم قوم جهلة . وقال السدي : لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش : انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته ، فتقول العرب : كان يمنعه عمه ، فلما مات قتلوه ، فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحارث ، وأمية وأبي ابنا خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن العاص ، والأسود بن أبي البختري إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب ، أنت كبيرنا وسيدنا ، وإن محمداً قد آذانا وآلهتنا ، فنحب أن تدعوه وتنهاه عن ذكر آلهتنا ، ولندعنه وإلهه ، فدعاه فقال : يا محمد هؤلاء قومك يقولون نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك ، وقد أنصفك قومك فاقبل منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم ؟ فقال أبو جهل : نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها ، فما هي ؟ قال : ( قولوا لا إله إلا الله ، فأبوا وتفرقوا ) ، فقال أبو طالب : قل غيرها يابن أخي . فقال : يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ، فقالوا له : لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنك ولنشتمن من يأمرك ، فأنزل الله عز وجل : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله } ، يعني الأوثان .
قوله تعالى : { فيسبوا الله عدواً } ، أي : اعتداء وظلماً .
قوله تعالى : { بغير علم } . وقرأ يعقوب { عدواً } بضم العين والدال وتشديد الواو ، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( لا تسبوا ربكم ، فأمسك المسلمون عن سب آلهتهم ) .
وظاهر الآية ، وإن كان نهياً عن سب الأصنام ، فحقيقته النهي عن سب الله تعالى ، لأنه سبب لذلك .
قوله تعالى : { كذلك زينا لكل أمة عملهم } ، أي : كما زينا لهؤلاء المشركين عبادة الأصنام ، وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان ، كذلك زينا لكل أمة عملهم من الخير والشر ، والطاعة والمعصية .
ثم أرشد الله المؤمنين إلى مكارم الأخلاق ، فنهاهم عن سب آلهة المشركين حتى لا يقابلهم المشركون بالمثل فقال - تعالى - { وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله
السب : الشتم الوضيع وذكر مساوىء الغير لمجرد التحقير والإهانة .
وعدوا : مصدر بمعنى العدوان والظلم والتجاوز من الحق إلى الباطل وهو مفعول مطلق " لتسبوا " . من معناه ، لأن السب عدوان ، وقيل هو حال من ضمير { يَسُبُّواْ } مؤكدة لمضمون الجملة وكذلك قوله { بِغَيْرِ عِلْمٍ } .
والمعنى : ولا تسبوا أيها المؤمنون آلهة المشركين الباطلة فيترتب على ذلك أن يسب المشركون معبودكم الحق جهلا منهم وضلالا .
قال الآلوسى : ومعنى سبهم الله - تعالى - إفضاء كلامهم إليه كشتمهم له صلى الله عليه وسلم ولمن يأمره وقد فسر { بِغَيْرِ عِلْمٍ } بذلك أى : فيسبوا الله - تعالى - بغير علم أنهم يسبونه وإلا فالقوم كانوا يقرون بالله - تعالى - وعظمته وأن آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء لهم عنده - سبحانه - فكيف يسبونه ؟ ويحتمل أن يراد سبهم له - عز وجل - صراحة ولا إشكال بناء على أن الغضب والغيظ قد يحملهم على ذلك ، ألا ترى أن المسلم قد تحمله شدة غيظة على التكلم بالكفر ! ومما شاهدناه أن بعض جهلة العوام رأى بعض الرافضة يسب الشيخين - أبا بكر وعمر - فغاظه ذلك جداً فسب عليا - كرم الله وجهه - فسئل عن ذلك فقال : ما أردت إلا إغاظتهم ولم أر شيئاً يغيظهم مثل ذلك فاستتيب عن هذا الجهل العظيم " .
وقد روى المفسرون فى سب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها ما رواه معمر عن قتادة قال : كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيسب الكفار الله عدوا بغير علم فنزلت " .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : سب الآلهة الباطلة حق وطاعة فكيف صح النهى عنه وإنما يصح النهى عن المعاصى ؟ قلت رب طاعة علم أنها تؤدى إلى مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة فيجب النهى عنها لأنها معصية لا لأنها طاعة . كالنهى عن المنكر هو من أجل الطاعات ، فإذا علم أنه يؤدى إلى زيادة الشر انقلب إلى معصية ووجب النهى عن ذلك كما يجب النهى عن المنكر " .
وقال الشيخ القاسمى : قال ابن الفارس فى الآية : إنه متى خيف من سب الكفار وأصنامهم أن يسبوا الله أو رسوله أو القرآن لم يجز أن يسبوا آلهتهم ولا دينهم ، وهذا أصل فى سد الذرائع " .
وقال السيوطى : " وقد يستدل بها على سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا خيف من ذلك مفسدة أقوى وكذا كل مفعول مطلوب ترتب على فعله مفسدة أقوى من مفسدة تركه " .
وقال الحاكم : نهوا عن سب الأصنام لوجهين :
أحدهما : أنها جماد لا ذنب لها .
والثانى : أن ذلك يؤدى إلى المعصية بسب الله - تعالى - . والذى يجب علينا إنما هو بيان بغضها وأنه لا تجوز عبادتها ، وأنها لا تضر ولا تنفع ، وأنها لا تستحق العبادة ، وهذا ليس بسب . ولهذا قال أمير المؤمنين على - يوم صفين - " لا تسبوهم ولكن اذكروا قبيح أفعالهم " .
وقال بعض العلماء : ووجه النهى عن سب أصنامهم هو أن السب لا تترتب عليه مصلحة دينية ، لأن المقصود من الدعوة هو الاستدلال على إبطال الشرك وإظهار استحالة أن تكون الأصنام شركاء لله - تعالى - فذلك الذى يتميز به المحق من المبطل ، فأما السب فإنه مقدور للمحق وللمبطل فيظهر بمظهر التساوى بينهما ، وربما استطاع المبطل بوقاحته وفحشه مالا يستطيعه المحق ، فيلوح للناس أنه تغلب على المحق . على أن سب آلهتهم لما كان يحمى غيظهم ويزيد تصلبهم صار منافياً لمراد الله من الدعوة فقد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } وأصبح هذا السب متمحضاً للمفسدة وليس مشوباً بمصلحة ، وليس هذا مثل تغيير المنكر إذا خيف إفضاؤه إلى مفسدة ، لأن تغيير المنكر مصحلة بالذات وإفضاؤه إلى المفسدة بالعرض . وذلك مجال تتردد فيه أنظار العلماء المجتهدين بحسب الموازنة بين المصالح والمفاسد قوة وضعفاً وتحققاً واحتمالا ، وكذلك القول فى تعارض المصالح والمفاسد كلها .
وهذه الآية الكريمة ليست منسوخة بآية السيف - كما قيل - وإنما هى محكمة ولذا قال القرطبى : قال العلماء : حكمها باق فى هذه الأمة على كل حال فمتى كان الكافر فى منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبى صلى الله عليه وسلم أو الله - تعالى - فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا كنائسهم ، ولا يتعرض إلى ما يؤدى إلى ذلك ، لأنه بمنزلة البعث على المعصية " .
وقوله { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } .
التزيين تفعيل من الزين وهو الحسن .
والمعنى : مثل ذلك التزيين الذى حمل المشركين على الدفاع عن عقائدهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا ، زينا لكل أمة من الأمم عملهم ، من الخير والشر والإيمان والكفر ، فقد مضت سننا فى أخلاق البشر أن يستحسنوا ما تعودوه ، وأن يتعلقوا بما ألفوه .
وقيل : المراد بكل أمة أمم الفكر لأن الكلام فيهم . والمراد بعملهم . شرورهم ومفاسدهم . والمشبه به تزيين سب الله - تعالى - لهم .
أى : كما زينا لهؤلاء المشركين سوء أعمالهم زينا لكل أمة من الأمم الماضية على الضلال عملهم السىء .
قال الآلوسى : " وقد استدل بالآية على أنه - تعالى - هو الذى زين للكافر كفره كما زين للمؤمن إيمانه . وأنكر ذلك المعتزلة فتأولوا الآية بما لا يخفى ضعفه " .
وقال صاحب المنار : فظهر بهذا التزيين أثر لأعمال اختيارية لا جبر فيها ولا إكراه وليس المراد به أن الله خلق فى قلوب بعض الأمم تزيينا للكفر والشر ، وفى قلوب بعضها الآخر تزيينا للإيمان والخير خلقا ابتدائياً من غير أن يكون لهم عمل اختيارى نشأ عنه ذلك ، إذ لو كان الأمر كما ذكر لكان الإيمان والكفر والخير والشر من الغرائب الخلقية التى تعد الدعوة إليها والترغيب فيها وما يقابلهما من النهى والترهيب عنها من العبث الذى يتنزه الله عن إرسال الرسل وإنزال الكتب لأجله .
وقد غفلت المعتزلة عن هذا التحقيق فأول بعضهم الآية بأنها خاصة بالمؤمنين الذين زين الله فى قلوبهم الإيمان ، وبعضهم بغير ذلك .
ثم ختم الله - تعالى - الآية بقوله : { ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أى : ثم إلى ربهم أمورهم ورجوعهم ومصيرهم بعد البعث ، فيخبرهم من غير تسويف أو تأخير بما كانوا يعملونه فى الدنيا ، ويجازيهم على ذلك بما يستحقونه . وفى هذه الجملة الكريمة تهديد وتوبيخ لأولئك المشركين الذين تجاسروا على مقام الله ، وزين لهم سوء أعمالهم فرأوه حسنا .
يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين{[11032]} عن سب آلهة المشركين ، وإن كان فيه مصلحة ، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسب{[11033]} إله المؤمنين ، وهو الله لا إله إلا هو .
كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية : قالوا : يا محمد ، لتنتهين عن سبك آلهتنا ، أو لنهجون ربك ، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ، { فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فيسب الكفار الله عدوا بغير علم ، فأنزل الله : { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن السُّدِّي أنه قال في تفسير هذه الآية : لما حضر أبا طالب الموت قالت قريش : انطلقوا فلندخل على هذا الرجل ، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه ، فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته ، فتقول العرب : كان يمنعهم فلما مات قتلوه . فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحارث ، وأمية ، وأبي ابنا خلف ، وعقبة بن أبي مُعِيط ، وعمرو بن العاص ، والأسود بن البَخْتَري{[11034]} وبعثوا رجلا منهم يقال له : " المطلب " ، قالوا : استأذن لنا على أبي طالب ، فأتى أبا طالب فقال : هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك ، فأذن لهم عليه ، فدخلوا عليه فقالوا : يا أبا طالب ، أنت كبيرنا وسيدنا ، وإن محمدًا قد آذانا وآذى آلهتنا ، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ، ولندَعْه وإلهه . فدعاه ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو طالب : هؤلاء قومك وبنو عمك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تريدون ؟ " . قالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا ، ولندَعْك وإلهك . قال له أبو طالب : قد أنصفك قومك ، فاقبل منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيتم إن أعطيتكم هذا ، هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم بها العرب ، ودانت لكم بها العجم ، وأدت لكم الخراج ؟ " قال أبو جهل : وأبيك لأعطينكها وعشرة أمثالها [ قال ]{[11035]} فما هي ؟ قال : " قولوا لا إله إلا الله " . فأبوا واشمأزوا . قال أبو طالب : يا ابن أخي ، قل غيرها ، فإن قومك قد فزعوا منها . قال : " يا عم ، ما أنا بالذي أقول غيرها ، حتى يأتوا بالشمس فيضعوها في يدي ، ولو أتوا بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها " . إرَادَةَ أن يُؤيسَهم ، فغضبوا وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا ، أو لنشتمنك ونشتم من يأمرك فذلك قوله : { فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }{[11036]}
ومن هذا القبيل - وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها - ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ملعون من سب والديه " . قالوا يا رسول الله ، وكيف يسب الرجل والديه ؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه " . أو كما قال ، عليه السلام{[11037]} {[11038]}
وقوله تعالى : { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } أي : وكما زينا لهؤلاء القوم حبّ أصنامهم والمحاماة لها والانتصار ، كذلك زينا لكل أمة من الأمم الخالية على الضلال عملهم الذي كانوا فيه ، ولله الحجة البالغة ، والحكمة التامة فيما يشاؤه ويختاره . { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ } أي : معادهم ومصيرهم ، { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : يجازيهم بأعمالهم ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر .
{ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله } أي ولا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها بما فيها من القبائح . { فيسبوا الله عدوا } تجاوزا عن الحق إلى الباطل . { بغير علم } على جهالة بالله سبحانه وتعالى وبما يجب أن يذكر به . وقرأ يعقوب { عدوا } يقال عدا فلان عدوا وعدوا وعداء وعدوانا . روي : أنه عليه الصلاة والسلام كان يطعن في آلهتهم فقالوا لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك ، فنزلت . وقيل كان المسملون يسبونها فنهوا لئلا يكون سبهم سبا لسب الله سبحانه وتعالى ، وفيه دليل على أن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدي إلى الشر شر . { كذلك زينا لكل أمة عملهم } من الخير والشر بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا وتخذيلا ، ويجوز تخصيص العمل بالشر وكل أمة بالكفرة لأن الكلام فيهم ، والمشبه به تزيين سب الله لهم . { ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون } بالمحاسبة والمجازاة عليهم .
وقوله تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله } الآية ، مخاطبة للمؤمنين والنبي عليه السلام ، وقال ابن عباس وسببها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب : إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما نسب إلهه ونهجوه فنزلت الآية ، وحكمها على كل حال باق في الأمة ، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم والله عز وجل فلا يحل للمسلم أن يسب دينهم ولا صلبانهم ولا يتعرض ما يؤدي إلى ذلك أو نحوه{[5048]} ، وعبر عن الأصنام وهي لا تعقل ب { الذين } وذلك على معتقد الكفرة فيها ، وفي هذه الآية ضرب من الموادعة .
وقرأ جمهور الناس «عَدْواً » بفتح العين وسكون الدال نصب على المصدر ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء وقتادة ويعقوب وسلام وعبد الله بن زيد «عُدُوّاً » بضم العين والدال وتشديد الواو ، وهذا أيضاً نصب على المصدر وهو من الاعتداء ، وقرأ بعض الكوفيين «عَدُواً » بفتح العين وضم الدال نصب على الحال أي في حال عداوة لله ، وهو لفظ مفرد يدل على الجمع{[5049]} ، وقوله { بغير علم } بيان لمعنى الاعتداء المتقدم ، وقوله تعالى : { كذلك زينا لكل أمة } إشارة إلى ما زين الله لهؤلاء عبدة الأصنام من التمسك بأصنامهم والذب عنها وتزيين الله عمل الأمم هو ما يخلقه ويخترعه في النفوس من المحبة للخير والشر والاتباع لطرقه ، وتزيين الشيطان هو بما يقذفه في النفوس من الوسوسة وخطرات السوء ، وقوله { ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم } يتضمن وعداً جميلاً للمحسنين ووعيداً ثقيلاً للمسيئين .