الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (108)

قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] . قال المشركون : يا محمد لتنتهينّ عن سبّ الهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم اللّه تعالى أن يسبوا أوثانهم .

قال قتادة : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فنهاهم اللّه عن ذلك كيلا يسبوا اللّه فإنهم قوم جهلة .

وقال السدي : " لما حضرت أبا طالب الوفاة ، قالت قريش : إنطلقوا فلندخل على هذا الرجل ولنأمرنّه أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فيقول العرب : كان يمنعه فلما مات قتلوه ، فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحرث ، وأمية وأبي بن أخلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن العاص ، والأسود بن البحتري ، إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمداً قد آذانا وآذى الهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر الهتنا ولندعه وإلهه ، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب : هؤلاء قومك وبنو عمك ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " ما يريدون ؟ قالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك " .

قال : قد أنصف قومك ، فاقبل منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم " .

قال أبو جهل : نعم وأبيك لنعطينكها وعشراً أمثالها فما هي ؟ قال : قولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فأبوا واشمأزّوا .

وقال أبو طالب : قل غيرها يا ابن أخي ، فإن قومك قد فزعوا منها . فقال : " يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها " .

فقالوا : لتكفّنّ عن شتمك آلهتنا أو لنشتمن من يأمرك . فأنزل اللّه تعالى { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } من الأوثان { فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً } " .

وقرأ أبو رجاء والحسن وقتادة ويعقوب : عدواً بضم العين والدال وتشديد الواو أي أعداء الله .

" { بِغَيْرِ عِلْمٍ } فلما نزلت هذه الآية ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأصحابهلا تسبوا ربهم " فأمسك المسلمون عن سبّ آلهتهم " .

{ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } يعني كما زيّنا لهؤلاء المشركين عبادة الأوثان وطاعة الشيطان ، الحرمان والخذلان كذلك زيّنا لكل أمة عملهم من الخير والشر والطاعة والمعصية { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ } يخبرهم ويجازيهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ *