الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (108)

{ وَلاَ تَسُبُّواْ } الآلهة { الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله } وذلك أنهم قالوا عند نزول قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجونّ إلهك . وقيل : كان المسلمون يسبون آلهتهم ، فنهوا لئلا يكون سبهم سبباً لسبّ الله تعالى .

فإن قلت : سب الآلهة حق وطاعة ، فكيف صحّ النهي عنه ، وإنما يصحّ النهي عن المعاصي قلت : ربّ طاعة علم أنها تكون مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة ، فيجب النهي عنها لأنها معصية ، لا لأنها طاعة كالنهي عن المنكر هو من أجلّ الطاعات ، فإذا علم أنه يؤدّي إلى زيادة الشرّ انقلب معصية ، ووجب النهي عن ذلك النهي . كما يجب النهي عن المنكر .

فإن قلت : فقد روي عن الحسن وابن سيرين : أنهما حضرا جنازة فرأى محمد نساء فرجع ، فقال الحسن : لو تركنا الطاعة لأجل المعصية لأسرع ذلك في ديننا . قلت : ليس هذا ممن نحن بصدده ، لأنّ حضور الرجال الجنازة طاعة وليس بسبب لحضور النساء فإنهنّ يحضرنها حضر الرجال أو لم يحضروا ، بخلاف سبّ الآلهة . وإنما خيل إلى محمد أنه مثله حتى نبه عليه الحسن . { عَدْوَا } ظلماً وعدواناً . وقرىء : «عُدوّاً » بضم العين وتشديد الواو بمعناه . ويقال : [ عدا ] فلان عدواً وعدواً وعدواناً وعداء . وعن ابن كثير : «عدوّاً » ، بفتح العين بمعنى أعداء { بِغَيْرِ عِلْمٍ } على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به { كذلك زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ } مثل ذلك التزيين زينا لكل أمّة من أمم الكفار سوء عملهم . أو خليناهم وشأنهم ، ولم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم ، أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم أو زيناه في زعمهم . وقولهم : إن الله أمرنا بهذا وزينه لنا { فَيُنَبِّئُهُم } فيوبخهم عليه ويعاتبهم ويعاقبهم .