جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (108)

{ ولا تسُبّوا الذين يدعون } : يعبدون ، { من دون الله } أي : أصنامهم ، { فيسُبّوا{[1502]} الله عدْواً } : ظلما ، { بغير علم } : على جهالة بالله يعني سب آلهتهم وإن كان حقا لكن فيه مفسدة عظيمة ، نزلت حين قالوا : يا محمد لتنتهين عن سب آلهتنا ، أو لنهجون ربك أو كان المسلمون يسبون آلهتهم وهم يسبون الله عدوا ، { كذلك } : مثل ذلك التزيين ، { زيّنا لكل أمة } : من أمم الكفار ، { عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فيُنبّئهم بما كانوا يعملون } : بالمجازاة .


[1502]:وفي هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق، والناهي عن الباطل إذا خشي أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرمة ومخالفة حق ووقوع في باطل أشد كان الترك أولى به، بل كان وجبا عليه، وما أنفع هذه الآية وأجل فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج الله المتصدين لبيانها للناس وإذا كان بين قوم من الصم البكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه وتركوا غيره من المعروف وإذا نهاهم عن منكر فعلوه وفعلوا غيره من المنكرات عنادا للحق وبغضا لاتباع المحقين، وجرأة على الله سبحانه فإن هؤلاء لا يؤثر فيهم إلا السيف، وهو الحكم العدل لمن عاند الشريعة المطهرة، وجعل المخالفة لها والتجري على أهلها وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة غير منسوخة وهي أصل أصيل في سيد الذرائع وقطع التطرق إلى الشبه، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (ملعون من سب والديه قالوا: يا رسول الله، وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)/12 فتح البيان في مقاصد القرآن المأخوذ من فتح القدير للشوكاني/12 [البخاري (5973)، ومسلم (1/276) ط الشعب ولفظه (إن من أكبر الكبائر...) الحديث].