الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (108)

قوله تعالى : { وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله . . . } [ الأنعام :108 ] . مخاطبةٌ للمؤمنين والنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس : سببها أن كفَّار قريشٍ قالوا لأبي طَالِبٍ : إما أنْ ينتهِيَ محمَّد وأصحابه عن سَبِّ آلهتنا والغَضِّ منها ، وإما أنْ نَسُبَّ إلهه ونَهْجُوه ، فنزلَتِ الآية ، وحكْمُها على كلِّ حال باقٍ في الأمة ، فلا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى سبِّ الإسلام أو النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أو اللَّه عزَّ وجلَّ ، وعبَّر عن الأصنامِ بالذين ، وهي لا تَعْقِلُ ، وذلك على معتقدِ الكَفَرة فيها ، وفي هذه الآية ضَرْبٌ من الموادعة ، و{ عَدْواً } : مصدرٌ من الاعتداء ، و{ بِغَيْرِ عِلْمٍ } : بيانٌ لمعنى الاعتداءِ .

وقوله تعالى : { كذلك زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } : إشارة إلى ما زَيَّنَ لهؤلاء من التمسُّك بأصنامهم ، وتَزْيينُ اللَّه عَمَلَ الأممِ هو ما يخلقه سبحانه في النُّفُوس من المحبَّة للخَيْر والشَّرِّ ، وتزيينُ الشيطان هو ما يَقْذِفُه في النفُوسِ من الوسوسة وخَطَراتِ السُّوء ، وقوله : { ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ . . . } الآية ، تتضمَّن وعداً جميلاً للمحسنين ، ووعيداً ثقيلاً للمسيئين .