السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (108)

{ ولا تسبوا الذين يدعون } أي : يعبدون { من دون الله } وهي الأصنام أي : ولا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها بما فيها من القبائح { فيسبوا الله عدواً } أي : اعتداءً وظلماً { بغير علم } أي : جهلاً منهم بالله وبما يجب أن يذكر به .

روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يطعن في آلهتهم فقالوا : لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك فنزلت وقال السدي : لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش : انطلقوا فلندخلنّ على هذا الرجل فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته فتقول العرب : كان يمنعه عمه فلما مات قتلوه ، فانطلق أبو سفيان وأبو جهل وأبي بن خلف ومعهم جماعة إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإنّ محمداً قد أذانا وآلهتنا فنحب أن تدعوه وتنهاه عن ذكر آلهتنا وندعه وإلهه ، فطلبه وقال : هؤلاء قومك وبنو عمك يقولون : نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك وقد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم ) فقال أبو جهل : نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي ؟ قال : ( قولوا لا إله إلا الله ) فأبوا ونفروا ، فقال أبو طالب : قل غيرها يا ابن أخي ، فقال : ( يا عمّ ما أنا بالذي أقول غيرها ) فقالوا : لتكفن عن سبك آلهتنا أو لنشتمنك ومن يأمرك ، فنزلت . وقيل : كان المسلمون يسبونها فنهوا لئلا يكون سبهم سبباً لسبّ الله تعالى وفيه دليل على أنّ الطاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدّي إلى الشرّ شر { كذلك } أي : كما زينا لهؤلاء ما هم عليه من عبادة الأوثان وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان { زينا لكل أمّة عملهم } أي : من الخير والشرّ بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقاً وتخذيلاً ، وفي هذه الآية دليل على تكذيب القدرية والمعتزلة حيث قالوا : لا يحسن من الله تعالى خلق الكفر وتزيينه فهو الفعال لما يريد لا يسأل عما يفعل { ثم إلى ربهم مرجعهم } في الآخرة { فينبئهم بما كانوا يعملون } في الدنيا فيجازيهم به .