قوله تعالى : { ما يفتح الله للناس من رحمة } قيل : من مطر ورزق ، { فلا ممسك لها } لا يستطيع أحد حبسها ، { وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز } فيما أمسك { الحكيم } فيما أرسل من مطر ورزق .
أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنبأنا عبد الله بن أسباط ، أنبأنا أبي ، أنبأنا عبد الملك بن عمير ، عن وراد ، عن المغيرة بن شعبة ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .
وقوله - تعالى - : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا . . } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته وفضله على عباده .
والمراد بالفتح هنا : الإِطلاق والإِرسال على سبيل المجاز . بعلاقة السببية لأن فتح الشئ المغلق ، سبب لإطلاق ما فيه إرساله .
أى : ما يرسل الله - تعالى - بفضله وإحسانه للناس من رحمة متمثلة فى الأمطار ، وفى الأرزاق ، وفى الصحة . . وفى غير ذلك ، فلا أحد يقدر على معها عنهم .
{ وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } أى : وما يمسك من شئ لا يريد إعطاءه لهم ، فلا أحد من الخلق يستطيع إرساله لهم . بد أن منعه الله - تعالى - عنهم .
{ وَهُوَ } - سبحانه - { العزيز } الذى لا يغلبه غالب { الحكيم } فى كل أقواله وأفعاله .
وعبر - سبحانه - فى جانب الرحمة بالفتح ، للإِشعار بأن رحمته - سبحانه - من أعظم النعم وأعلاها ، حتى لكأنها بمنزلة الخزائن المليئة بالخيرات ، والتى متى فتحت أصاب الناس منها ما أصابوا من نفع وبر .
و { مِن } فى قوله { مِن رَّحْمَةٍ } للبيان . وجاء الضمير فى قوله : { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } مؤنثا ، لأنه يعود إليه وحدها .
وجاء مذكرا فى قوله { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } لأنه يشملها ويشمل غيرها ، أى : وما يسمك من رحمة أو غيرها عن عباده فلا يستطيع أحد أن يرسل ما أمسكه - سبحانه - .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ . . . } وقوله - سبحانه - : { وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } قال ابن كثير : وثبت فى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى . " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع راسه من الركوع يقول : سمع الله لمن حمده . اللهم ربنا لك الحمد . ملئ السماوات والأرض . وملئ ما شئت من شئ بعد . . اللهم لا مانع لما أعطيت . ولا معطى لما منعت . . ولا ينفع ذا الجد منك الجد - أى : ولا ينفع صاحب الغنى غناه وإنما الذى ينفعه عمله الصالح " .
يخبر تعالى أنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع . قال{[24441]} الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا مغيرة ، أخبرنا عامر ، عن ورَّاد - مولى المغيرة بن شعبة - قال : كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة : اكتب لي بما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدعاني المغيرة فكتبت إليه : إني سمعت{[24442]} رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال : " لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ " ، وسمعته ينهى عن قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال ، وعن وأد البنات ، وعقوق الأمهات ، ومَنْع وهَات .
وأخرجاه من طرق عن وَرّاد ، به . {[24443]}
وثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول : " سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السماء والأرض{[24444]} وملء ما شئت من شيء بعد . اللهم ، أهلَ الثناء والمجد . أحقّ ما قال العبد ، وكلنا لك عبد . اللهمّ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجدّ " . {[24445]}
وهذه الآية كقوله تعالى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ } [ يونس : 107 ] . ولهذا{[24446]} نظائر كثيرة .
وقال الإمام مالك : كان أبو هريرة إذا مُطِروا يقول : مُطِرنا بِنَوْء الفتح ، ثم يقرأ هذه الآية : { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . ورواه ابن أبي حاتم ، عن يونس عن ابن وهب ، عنه . {[24447]}
{ ما يفتح الله للناس } ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب . { من رحمة } كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة . { فلا ممسك لها } يحبسها . { وما يمسك فلا مرسل له } يطلقه ، واختلاف الضميرين لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب ، وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه من بعده من بعد إمساكه { وهو العزيز } الغالب على ما يشاء ليس أحد أن ينازعه فيه . { الحكيم } لا يفعل إلا بعلم وإتقان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.