قوله تعالى : { من كان يرجو لقاء الله } قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب . والرجاء بمعنى الخوف . وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : من كان يطمع في ثواب الله ، { فإن أجل الله لآت } يعني : ما وعد الله من الثواب والعقاب . وقال مقاتل : يعني : يوم القيامة لكائن . ومعنى الآية : أن من يخشى الله أو يأمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم ، كما قال : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } الآية . { وهو السميع العليم* }
ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ما يدخل السرور والاطمئنان على قلوب عباده المؤمنين الصادقين فقال - تعالى - : { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ وَهُوَ السميع } أى : من كان من الناس يرجو لقاء الله - تعالى - يوم القيامة لقاء يسره ويرضيه ، ويطمعه فى ثوابه وعطائه ، فلثبت على إيمانه ، وليواظب على العمل الصالح ، { فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ } . أى : فإن الأجل الذى حدده الله - تعالى - لموت كل نفس وللبعث والحساب ، لآت لا محالة فى وقته الذى حدده - سبحانه - " وهو السميع " لأقوال خلقه " العليم " بما يخفونه وما يعلنونه .
فالرجاء فى لقاء الله ، بمعنى الطمع فى ثوابه ، ومنهم من فسره بمعنى الخوف من حسابه - سبحانه - .
قال صاحب الكشاف : لقاء الله : مثل للوصول إلى العاقبة ، من تلقى ملك الموت ، البعث ، والحساب ، والجزاء ، مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل ، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتى ويذر ، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب ، لما رضى من أفعاله ، أو بضد ذلك لما سخطه منها . . . وقيل : " يرجو " يخاف ، كما فى قول الشاعر :
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها . . . . . أي : إذا لسعته النحل لم يخف لسعها
وعلى كلا التفسرين للرجاء . فإن الآية الكريمة تبشر المؤمنين بما يدخل السرور على نفوسهم ، وتعدهم بأنهم متى ثبتوا على إيمانهم ، وأحسنوا أعمالهم ، فإن ثوابهم سيظفرون به كاملا غير منقوص ، بفضل الله وإحسانه .
أما الإيقاع الثالث فيتمثل في تطمين الذين يرجون لقاء الله ، ووصل قلوبهم به في ثقة وفي يقين :
( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ، وهو السميع العليم ) . .
فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله ولتطمئن ؛ ولتنتظر ما وعدها الله إياه ، انتظار الواثق المستيقن ؛ ولتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق ولكن في يقين .
والتعبير يصور هذه القلوب المتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية . صورة الراجي المشتاق ، الموصول بما هناك . ويجيب على التطلع بالتوكيد المريح . ويعقب عليه بالطمأنينة الندية ، يدخلها في تلك القلوب . فإن الله يسمع لها ، ويعلم تطلعها : ( وهو السميع العليم ) .
يقول تعالى : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ } أي : في الدار الآخرة ، وعمل الصالحات رجاء ما عند الله من الثواب الجزيل ، فإن الله سيحقق له رجاءه ويوفيه عمله كاملا موفورا{[22487]} ، فإن ذلك كائن لا محالة ؛ لأنه سميع الدعاء ، بصير بكل الكائنات{[22488]} ؛ ولهذا قال : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ اللّهِ فَإِنّ أَجَلَ اللّهِ لاَتٍ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنّ اللّهَ لَغَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : من كان يرجو الله يوم لقائه ، ويطمع في ثوابه ، فإن أجل الله الذي أجله لبعث خلقه للجزاء والعقاب لاَت قريبا ، وهو السميع ، يقول : والله الذي يرجو هذا الراجي بلقائه ثوابه ، السميع لقوله : آمنا بالله ، العليم بصدق قيله ، إنه قد آمن من كذبه فبه .
ثم أخبر تعالى عن الحشر والرجوع إلى الله تعالى في القيامة بأنه آت إذ قد أجله الله تعالى وأخبر به ، وفي قوله { من كان يرجو لقاء الله } ، تثبيت ، أي من كان على هذا الحق فليوقن بأنه آت وليتزيد بصيرة ، وقال أبو عبيدة { يرجو } ها هنا بمعنى يخاف{[9207]} ، والصحيح أن الرجاء ها هنا على بابه متمكناً ، قال الزجاج : المعنى لقاء ثواب الله ، وقوله تعالى : { وهو السميع العليم } ، معناه لأقوال كل فرقة ، و { العليم } معناه بالمعتقدات التي لهم .
هذا مسوق للمؤمنين خاصة لأنهم الذين يرجون لقاء الله ، فالجملة مفيدة التصريح بما أومأ إليه قوله { أن يسبقونا } [ العنكبوت : 4 ] من الوعد بنصر المؤمنين على عدوّهم مبينة لها ولذلك فصلت . ولولا هذا الوقع لكان حق الإخبار بها أن يجيء بواسطة حرف العطف . ورجاء لقاء الله : ظنّ وقوع الحضور لحساب الله .
و { لقاء الله } : الحشر للجزاء لأن الناس يتلقون خطاب الله المتعلق بهم ، لهم أو عليهم ، مباشرة بدون واسطة ، وقد تقدم في قوله { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } [ البقرة : 46 ] وقوله { واعلموا أنكم ملاقوه } في سورة [ البقرة : 223 ] .
و { أجل الله } يجوز أن يكون الوقت الذي عينه الله في علمه للبعث والحساب فيكون من الإظهار في مقام الإضمار ، ومقتضى الظاهر أن يقال : فإنه لآتتٍ فعدل إلى الإظهار كما في إضافة { أجل } إلى اسم الجلالة من الإيماء إلى أنه لا يخلف . والمقصود الاهتمام بالتحريض على الاستعداد . ويجوز أن يكون المراد ب { أجل الله } الأجل الذي عيَّنه الله لنصر المؤمنين وانتهاء فتنة المشركين إياهم باستئصال مساعير تلك الفتنة ، وهم صناديد قريش وذلك بما كان من النصر يوم بدر ثم ما عقبه إلى فتح مكة فيكون الكلام تثبيتاً للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين حين استبطأ المؤمنون النصر للخلاص من فتنة المشركين حتى يعبدوا الله لا يفتنوهم في عبادته . والمعنى عليه : إن كنتم مؤمنين بالبعث إيقاناً ينبعث من تصديق وعد الله به فإن تصديقكم بمجيء النصر أجدر لأنه وعدكم به ، ف { من } شرطية ، وجعل فعل الشرط فعل الكون للدلالة على تمكن هذ الرجاء من فاعل فعل الشرط .
ولهذا كان قوله { فإن أجل الله لآت } جواباً لقوله { من كان يرجو لقاء الله } باعتبار دلالته على الجواب المقدر ليلتئم الربط بين مدلول جملة الشرط ومدلول جملة الجزاء . ولولا ذلك لاختلّ الربط بين الشرط والجزاء إذ يفضي إلى معنى من لم يكن يرجو لقاء الله فإن أجل الله غير آتتٍ . وهذا لا يستقيم في مجاري الكلام فلزم تقدير شيء من باب دلالة الاقتضاء .
وتأكيد جملة الجزاء بحرف التوكيد على الوجه الأول للتحريض والحث على الاستعداد للقاء الله ، وعلى الوجه الثاني لقصد تحقيق النصر الموعود به تنزيلاً لاستبطائه منزلة التردد لقصد إذكاء يقينهم بما وعد الله ولا يوهنهم طول المدة الذي يضخمه الانتظار . وبهذا يظهر وقع التذييل بوصفي { السميع العليم } دون غيرهما من الصفات العُلَى للإيماء بوصف { السميع } إلى أن الله تعالى سمع مقالة بعضهم من الدعاء بتعجيل النصر كما أشار إليه قوله تعالى { وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله } [ البقرة : 214 ] . وكقول النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم أنجِ عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف » .
والإيماء بوصف { العليم } إلى أن الله علم ما في نفوسهم من استعجال النصر ولو كان المراد من { أجل الله } الموتَ لَمَا كان وجه للإعلام بإتيانه بَلْهَ تأكيده ، وكذا لو كان المراد منه البعث لكان قوله { من كان يرجو لقاء الله } كافياً ، فهذا وجه ما أشارت إليه الآيات بالمنطوق والاقتضاء ، والعدول بها عن هذا المهيع وإلى ما في « الكشاف » و« مفاتيح الغيب » أخذاً من كلام أبي عبيدة تحويل لها عن مجراها وصرف كلمة الرجاء عن معناها وتفكيك لنظم الكلام عن أن يكون آخذاً بعضه بحُجز بعض .
وإظهار اسم الجلالة في جملة { فإن أجل الله لآت } مع كون مقتضى الظاهر الإضمار لتقدم اسم الجلالة في جملة الشرط { من كان يرجو لقاء الله } لئلا يلتبس معاد الضمير بأن يُعاد إلى { من } إذ المقصود الإعلام بأجل مخصوص وهو وقت النصر الموعود كما في قوله تعالى { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون } [ سبأ : 29 ، 30 ] .
وعبّر بفعل الرجاء عن ترقب البعث لأن الكلام مسوق للمؤمنين وهم ممن يرجو لقاء الله لأنهم يترقبون البعث لما يأملون من الخيرات فيه . قال بلال رضي الله عنه حين احتضاره متمثلاً بقول بعض الأشعريين الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم :
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{من كان يرجوا لقاء الله}: من خشي البعث في الآخرة، فليعمل لذلك اليوم، {فإن أجل الله لآت} يعني يوم القيامة {وهو السميع العليم}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
من كان يرجو الله يوم لقائه، ويطمع في ثوابه، فإن أجل الله الذي أجله لبعث خلقه للجزاء والعقاب لآت قريبا، "وهو السميع"، يقول: والله الذي يرجو هذا الراجي بلقائه ثوابه، السميع لقوله: آمنا بالله، "العليم "بصدق قيله، إنه قد آمن من كذبه فيه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
لقاء الله: مثل للوصول إلى العاقبة، من تلقي ملك الموت، والبعث، والحساب، والجزاء: مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله، أو بضد ذلك لما سخطه منها، فمعنى قوله: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله}: من كان يأمل تلك الحال، وأن يلقى فيها الكرامة من الله والبشر {فَإِنَّ أَجَلَ الله} وهو الموت {لآتٍ} لا محالة؛ فليبادر العمل الصالح الذي يصدق رجاءه، ويحقق أمله، ويكتسب به القربة عند الله والزلفى.
{وَهُوَ السميع العليم} الذي لا يخفى عليه شيء مما يقوله عباده ومما يفعلونه، فهو حقيق بالتقوى والخشية. وقيل: {يَرْجُو}: يخاف...
فإن قلت: فإن أجل الله لآت، كيف وقع جواباً للشرط؟ قلت: إذا علم أن لقاء الله عنيت به تلك الحال الممثلة والوقت الذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت: فكأنه قال: من كان يرجو لقاء الله فإن لقاء الله لآت، لأن الأجل واقع فيه اللقاء، كما تقول: من كان يرجو لقاء الملك فإن يوم الجمعة قريب، إذا علم أنه يقعد للناس يوم الجمعة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
في قوله {من كان يرجو لقاء الله}، تثبيت، أي من كان على هذا الحق فليوقن بأنه آت وليتزيَّد بصيرة، وقال أبو عبيدة {يرجو} ها هنا بمعنى يخاف، والصحيح أن الرجاء ها هنا على بابه متمكناً.
يمكن أن يكون المراد بأجل الله الموت، ويمكن أن يكون هو الحياة الثانية بالحشر...
{وهو السميع العليم} لم يذكر صفة غيرهما كالعزيز الحكيم وغيرهما، وذلك لأنه سبق القول في قوله: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا} وسبق الفعل بقوله: {وهم لا يفتنون} وبقوله: {فليعلمن الله الذين صدقوا} وبقوله: {أم حسب الذين يعملون السيئات} ولا شك أن القول يدرك بالسمع، والعمل منه ما لا يدرك بالبصر ومنه ما يدرك به؛ كالقصود، والعلم يشملهما، وهو السميع يسمع ما قالوه، عليم يعلم ما يُعمل فيثيب ويعاقب.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
معنى الآية من كان يرجو ثواب الله فليصبر في الدنيا على المجاهدة في طاعة الله حتى يلقى الله فيجازيه، فإن لقاء الله قريب الإتيان وكل ما هو آت قريب.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما خوف عباده المحسنين والمسيئين، وضربهم بسوط القهر أجمعين، أشار إلى التلويح بتهديد الكاذبين في التصريح بتشويق الصادقين فقال على سبيل الاستنتاج مما مضى: {من كان يرجو} عبر به لأن الرجاء كافٍ عن الخوف منه سبحانه {لقاء الله} أي الجامع لصفات الكمال، فلا يجوز عليه ترك البعث فإنه نقص ومنابذ للحكمة، وشبه البعث باللقاء لانكشاف كثير من الحجب به وحضور الجزاء. ولما كان المنكر للبعث كثيراً، أكد فقال موضع: فإنه آت فليحذر وليبشر، تفخيماً للأمر وتثبيتاً وتهويلاً: {فإن أجل الله لآت}...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{فَإِنَّ أَجَلَ الله} الأجل عبارةٌ عن غايةِ زمانٍ ممتدَ عينت لأمرٍ من الأمورِ وقد يُطلق على كلِّ ذلكَ الزَّمانَ والأولُ هو الأشهرُ في الاستعمالِ أي فإنَّ الوقتَ الذي عيَّنه تعالى لذلكَ {لآتٍ} لا محالةَ من غيرِ صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيه لأنَّ أجزاءَ الزَّمانِ على التقضِّي والتَّصرُّم دائماً فلابدَّ من إتيان ذلك الجزاءِ أيضاً البتةَ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
... من كان يرجو لقاء الله، من كل من صدق في إيمانه. وأخلص في يقينه، فاعلم أن أجل الله لآت. وهو الوقت الذي جعله أجلا وغاية لظهور النصر والفتح وعلو الحق وزهوق الباطل. أي فلا يستبطئنه. فإنه آت بوعد الله الحق وقوله الصدق. ولم أر من ذكره ولعله أنسب بقرينة السياق والسباق.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أما الإيقاع الثالث فيتمثل في تطمين الذين يرجون لقاء الله، ووصل قلوبهم به في ثقة وفي يقين:
(من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت، وهو السميع العليم)..
فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله ولتطمئن؛ ولتنتظر ما وعدها الله إياه، انتظار الواثق المستيقن؛ ولتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق ولكن في يقين.
والتعبير يصور هذه القلوب المتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية. صورة الراجي المشتاق، الموصول بما هناك. ويجيب على التطلع بالتوكيد المريح. ويعقب عليه بالطمأنينة الندية، يدخلها في تلك القلوب. فإن الله يسمع لها، ويعلم تطلعها: (وهو السميع العليم).
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا مسوق للمؤمنين خاصة لأنهم الذين يرجون لقاء الله، فالجملة مفيدة التصريح بما أومأ إليه قوله {أن يسبقونا} [العنكبوت: 4] من الوعد بنصر المؤمنين على عدوّهم مبينة لها ولذلك فصلت. ولولا هذا الوقع لكان حق الإخبار بها أن يجيء بواسطة حرف العطف. ورجاء لقاء الله: ظنّ وقوع الحضور لحساب الله. و {لقاء الله}: الحشر للجزاء لأن الناس يتلقون خطاب الله المتعلق بهم، لهم أو عليهم، مباشرة بدون واسطة، وقد تقدم في قوله {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} [البقرة: 46] وقوله {واعلموا أنكم ملاقوه} في سورة [البقرة: 223]. و {أجل الله} يجوز أن يكون الوقت الذي عينه الله في علمه للبعث والحساب فيكون من الإظهار في مقام الإضمار، ومقتضى الظاهر أن يقال: فإنه لآتٍ فعدل إلى الإظهار كما في إضافة {أجل} إلى اسم الجلالة من الإيماء إلى أنه لا يخلف. والمقصود الاهتمام بالتحريض على الاستعداد. ويجوز أن يكون المراد ب {أجل الله} الأجل الذي عيَّنه الله لنصر المؤمنين وانتهاء فتنة المشركين إياهم باستئصال مساعير تلك الفتنة، وهم صناديد قريش وذلك بما كان من النصر يوم بدر ثم ما عقبه إلى فتح مكة فيكون الكلام تثبيتاً للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين حين استبطأ المؤمنون النصر للخلاص من فتنة المشركين حتى يعبدوا الله لا يفتنوهم في عبادته. والمعنى عليه: إن كنتم مؤمنين بالبعث إيقاناً ينبعث من تصديق وعد الله به فإن تصديقكم بمجيء النصر أجدر لأنه وعدكم به، ف {من} شرطية، وجعل فعل الشرط فعل الكون للدلالة على تمكن هذا الرجاء من فاعل فعل الشرط. ولهذا كان قوله {فإن أجل الله لآت} جواباً لقوله {من كان يرجو لقاء الله} باعتبار دلالته على الجواب المقدر ليلتئم الربط بين مدلول جملة الشرط ومدلول جملة الجزاء. ولولا ذلك لاختلّ الربط بين الشرط والجزاء إذ يفضي إلى معنى من لم يكن يرجو لقاء الله فإن أجل الله غير آتٍ. وهذا لا يستقيم في مجاري الكلام فلزم تقدير شيء من باب دلالة الاقتضاء. وتأكيد جملة الجزاء بحرف التوكيد على الوجه الأول للتحريض والحث على الاستعداد للقاء الله، وعلى الوجه الثاني لقصد تحقيق النصر الموعود به تنزيلاً لاستبطائه منزلة التردد لقصد إذكاء يقينهم بما وعد الله ولا يوهنهم طول المدة الذي يضخمه الانتظار. وبهذا يظهر وقع التذييل بوصفي {السميع العليم} دون غيرهما من الصفات العُلَى للإيماء بوصف {السميع} إلى أن الله تعالى سمع مقالة بعضهم من الدعاء بتعجيل النصر كما أشار إليه قوله تعالى {وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله} [البقرة: 214]... والإيماء بوصف {العليم} إلى أن الله علم ما في نفوسهم من استعجال النصر ولو كان المراد من {أجل الله} الموتَ لَمَا كان وجه للإعلام بإتيانه بَلْهَ تأكيده، وكذا لو كان المراد منه البعث لكان قوله {من كان يرجو لقاء الله} كافياً، فهذا وجه ما أشارت إليه الآيات بالمنطوق والاقتضاء، والعدول بها عن هذا المهيع وإلى ما في « الكشاف» و« مفاتيح الغيب» أخذاً من كلام أبي عبيدة تحويل لها عن مجراها وصرف كلمة الرجاء عن معناها وتفكيك لنظم الكلام عن أن يكون آخذاً بعضه بحُجز بعض. وإظهار اسم الجلالة في جملة {فإن أجل الله لآت} مع كون مقتضى الظاهر الإضمار لتقدم اسم الجلالة في جملة الشرط {من كان يرجو لقاء الله} لئلا يلتبس معاد الضمير بأن يُعاد إلى {من} إذ المقصود الإعلام بأجل مخصوص وهو وقت النصر الموعود كما في قوله تعالى {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون} [سبأ: 29، 30]. وعبّر بفعل الرجاء عن ترقب البعث لأن الكلام مسوق للمؤمنين وهم ممن يرجو لقاء الله لأنهم يترقبون البعث لما يأملون من الخيرات فيه. قال بلال رضي الله عنه حين احتضاره متمثلاً بقول بعض الأشعريين الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم: